في كل مجتمع هناك صنف مميز ..
عالم الحيوان يحوي أصنافا مميزة من الحيوانات ..
عالم النبات و الزهور .. فيها أصنافا مميزة من الأشجار .. والأزهار .. والوردات.
عالم البشر .. أيضا يزخر بأصناف نادرة ..فريدة من البشر .
هناك أصناف متميزة .. غير عادية … رائعة مفعمة بالروعة .. مشحونة بالعطر والأريج .
…
لا أتذكر تحديدا متى قرأت هذا الخبر .. فلم تعد ذاكرتي بتلك القوة التي كانت عليه قبل سنوات .. لقد أمتلأت الذاكرة بالتراب .. والحصى .. والقذى .
فالذاكرة جزء من الجسد .. تندثر بالإهمال … وتتضعضع بالنسيان .
الذاكرة تحتاج إلى عالم جميل .. باذخ بالنور .. معبأ بالضحكات ..
الذاكرة تموت بالأوجاع .. وتنطفيء بالكسور .. والأسقام …
قرأت هذا الخبر ..:
في إحدى مدن السعودية إذا لم تخني الذاكرة خيانة عظيمة ..
دخل يوما ما رجل مهيب .. بهي الطلعة .. مضيئ الجبهة ..
دخل محكمة المدينة الكبيرة .. المكتظة بالبشر .. المكدسة بالقيود .. والسلاسل .. والملفات .. والقضايا .
دخل على قاضي الأحكام والتنفيذ ..
قرع الباب برفق .. فسمح له القاضي بالدخول ..
فجلس الرجل .. وطلب من القاضي كشفا بأسماء كل المتهمين المطلوبين بمبالغ مالية ( تحت ٥٠ ألف ريال سعودي وما دونها) المحكوم عليهم .. وأولئك الذين ينتظرون الأحكام ..!
فدهش القاضي من طلب الرجل وسأله : لماذا ؟
فقال الرجل : أريد أن أسدد عن هؤلاء الناس دينهم ..
أريد أن أفك عسرتهم ..
أتمنى أن أفرج همهم .
أتمنى أن أمنحهم فرصة للبدء من جديد ..
أريد أن يعلموا بأن الدنيا مازالت بخير ..
أريد أن أؤكد لهم بأن القلوب مازالت تنبض بالرحمة .. وأن الأفئدة مازالت تنستنشق الحب .
فذهل القاضي من طلب الرجل .. فهو لم يصادف موقفا مماثلا منذ توظيفه .. ولم يستمع لهذه النوع من الموسيقى السماوية منذ تاريخ ميلاده ..
أي رجل هذا .. يطلب كشفا كاملا لكل المحكومين و المطلوبين بمبالغ مالية تبدأ من ٥٠ ألف وما دون ..
وكم سيكون العدد .. وكيف سيكون شكل المبلغ وحجمه ..!!
يا إلهي .. ماذا اسمع ..!!
طلب القاضي منسقه الأول .. وأمره بطباعة كشف بأسماء كل المطلوبين بمبالغ مالية من ٥٠ ألف وما دون.. المسجونين منهم .. والذين في قائمة الأحكام .
كان العدد يتجاوز مائتي شخص ..
وكان إجمالي المبلغ يتجاوز الأربعة مليون ريال سعودي ..
أخرج الرجل دفتر شيكاته بكل ثقة وإطمئنان .. وخط المبلغ بجمال وبهجة.. وهو في هدوء تام .. وسكينة عجيبة ..
أصابع يديه تلمع بياضا كأنها نور سماوي ..
وبسمته تتلألأ في شفتيه ككوكب ذري .
قطع الشيك من دفتره .. وسلمه للقاضي .. ونهض بكل هيبة .. وشموخ .. وجلال …
وقبل أن يتحرك ..
وفي لحظة ذهول قاضي التنفيذ بمنظر الشيك الذي يرتعش في يديه .. قال الرجل للقاضي :
لي رجاء وحيد … لا تذكر أسمي أبدا لأي كان … قل ” فاعل خير فقط ” … وأختفى في لمح البصر .. كشهاب عبر صفحة السماء في غفلة من العيون ..
..
كم عدد الناس الذين قست عليهم الحياة .. فوقعوا في قبور الديون .. وطائلة الاحتياج .. وحفر القروض المظلمة .
كم من الناس خلف القضبان بسبب شيكات غير مسددة .. وقروض بسيطة متعثرة ..
ألا يستحق هؤلاء البشر رجل يحمل أصابع من السماء .. وقلب من الفضاء … يقضي دينهم .. ويفرج كربتهم .. ويجمع بينهم وبين أطفالهم .. ويزرع سعادة في صدورهم.
ألا يستحق هؤلاء الناس أيادي بيضاء تضيء حياتهم .. وتمنحهم أملا .. ورغبة .. وسعادة .
اللهم أيقظ قلوبنا .. وأشعل الرحمة في أرواحنا .
عبدالله الفارسي