ما نحتاجه اليوم فعلاً وفي ظل جائحة كورونا هو أن نستوعب بعضنا البعض، وأن نكون قادرين على تفهم كل الأصوات مهما كانت مختلفة مع وجهة نظرنا، فالوضع استثنائي والعالم لا يشهد كل يوم وباء يعصف بالمشهد الصحي والاقتصادي ويرهق الدول والأفراد ويستنزف الأموال والطاقات ويزهق الأرواح.
فالأصوات التي تصرخ بخطورة الفيروس وتحذر من تفشيه هي أصوات قريبة من المشهد الصحي وتعي تماماً حجم الخطر المحدق بنا وبالمؤسسات الصحية نظراً للأرقام والأدلة والمعطيات العالمية وما تخلفه هذه الجائحة من ضحايا تتكدس بأعداد هائلة على أسرّة العناية المركزة والوفيات العالية التي يخلفها هذا الوباء، في المقابل هناك أصوات تنادي بزيادة التخفف من القيود والضوابط وهو أمرٌ يبدو منطقياً في ظل وضعهم المادي وما شكلته هذه الجائحة من تعطلٍ لمصالحهم وقطعٍ لقوت يومهم وضررٍ بأرزاقهم، فهناك من يعمل لحسابه الخاص كسائق سيارة الأجرة وهناك من يملك مؤسسته الصغيرة أو المتوسطة أو مصنعه المتواضع أو معمله الصغير بل حتى جريدة أو مجلة أو غيرها.. وجميعهم تأثر بالتبعيات الاقتصادية لكورونا.. بل إن هناك من جاءه عيد الفطر وقد اقتطع نصف راتبه، وهناك من ينتظر عيد الأَضحى وقد تم تسريحه من وظيفته من الأساس.
ما تسببت به الجائحة ليس بالأمر الهين، فقد باغتت الكوكب على حين غرة، وخلّفت ما خلفته من ضحايات ووفيات وقلبت الاقتصاد رأساً على عقب، وجففت منابع الرزق للعديد من الأشخاص، وحين ندخل اليوم مرحلة “التأقلم والتعايش” فهو حتماً ليس خياراً من ضمن خيارات كثيرة بل ضرورة حتمية لنحمي اقتصادنا الذي تكالبت عليه الأمور بدايةً من انخفاض أسعار النفط وصولاً إلى تفشي جائحة كورونا.
الأوامر السامية القاضية بتخصيص ثلاثمائة مليون ريال لمشاريع تنموية، وإعلان مجلس المناقصات عن إسناد عددٍ من المشاريع أبرزها تكملة حزم ازدواجية طريق أدم ثمريت، والإعلان عن حزم من الحوافز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من قروض وإعفاءات إنما ترمي إلى حماية الاقتصاد والحفاظ على قوت المواطن، فحين تعمل هذه المؤسسات نضمن ولو قدراً يسيراً من الحراك في القطاع الخاص الأمر الذي يحافظ على إبقاء موظفي القطاع الخاص في وظائفهم وقدرة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الاستمرار في مشاريعهم.
تراشق الاتهامات، والأصوات العالية، والتقليل من الجهود لا يخدمنا في هذه المرحلة ولا يخدم الوطن، فالحكومة تعمل جاهدة على جميع الجبهات “الصحية والاجتماعية والاقتصادية” في حربٍ طاحنة مع فيروس فتاك استطاع أن ينال من دولٍ كبرى وعظمى اقتصادياً وعلمياً.. وما ينبغي علينا اليوم وفي ظل كل هذه الظروف أن نتعامل مع الوضع بروحٍ عاليةٍ من المسؤولية تجاه أنفسنا ومن نحب وتجاه بلادنا، حتى نعبر بسلام وأمان ويكتب الله للبشرية الخلاص من هذه الجائحة، وأن نكون على قدرٍ كبير من المحبة والتعاضد والترابط وأن نقدّر جميع الأصوات فهناك من تأثر صحياً ويخشى على غيره من الوقوع، وهناك من تأثر مالياً ويعاني من تبعات الجائحة..
حفظ الله الجميع..
سالم بن عبدالله الرحبي