منذ منتصف ديسمبر الماضي والعالم دخل في خضم أزمة عالمية واجهت خلالها معظم الدول تحدي صحي كبير إثر انتشار عدوى فيروس كوفيد ١٩ بين مواطنيها، مما خلف أعداد كبيرة من الوفيات والإصابات التي تجاوزت عشرة مليون إصابة وما زال عداد الموتى والمصابين يواصل عمله، حيث لم تتمكن دول العالم رغم التطور العلمي والتقني من التحكم في الوباء، أو اكتشاف اللقاح المناسب للفيروس بالرغم من تكاتف الجهود العلمية لأجل هذا الغرض، إلا أن المرض بشكله المستجد وتداعياته المختلفة على المرضى كان سببا ً في عجز العلماء لهذا اليوم من التوصل إلى الترياق المناسب له، فقد صنف المرض بمستوى جائحة عالمية لا نعلم متى ينتهي وتعود الحياة الإنسانية بشكلها الطبيعي.
في ظل كل هذه التداعيات العالمية والجهود التي يبذلها العاملون في القطاع الصحي من أجل تقديم الرعاية الصحية للمصابين وتخفيف معاناتهم نتيجة للآثار الصحية التي يسببها المرض، فقد عمل الجميع طوال الفترة الماضية على القيام بالواجب الوطني في التعامل مع المرضى رغم معرفتهم مسبقا بأنهم عرضة للإصابة بالعدوى، ولكن الواجب الوظيفي والوطني والديني يتحتم عليهم الاستمرار في العمل الوطني وتقديم الواجب الصحي لجميع المصابين من المواطنين والمقيمين، لذا فكل من يعمل في القطاع الصحي كانوا بمثابة الصف الأول من الجنود في معركة مجهولة المصير ضد هذا المرض، وعليهم التضحية بوقتهم وإجازاتهم والابتعاد عن عائلاتهم واتخاذ تدابير صحية لمنع وصول المرض إليهم أو انتقاله لمحيطهم الاجتماعي، لا يقتصر الأمر عند هذا المستوى فهناك التأثير النفسي الذي يتعرض له الأطباء والممرضون بصورة يومية وهم يسمعون صراخات المرضى وأنين المحتضرين، هذه المشاهد والتضحيات ليست سهلة الوطء على الطواقم الطبية ، لذا نحن اليوم نقول لهم شكراً لكل الجهود التي تقوموا بها في هذا العمل الوطني.
ولكن ما يثير النفس أن هناك من ينام وهو مرتاح البال ويعمل في مؤسسته دون الشعور بالخوف من انتقال المرض، ويذهب للشاطئ لممارسة الرياضة مع رفاقه، ويجتمع مع أصدقائه بين فترة وأخرى في تجمعات اجتماعية أو عائلية من أجل الترفيه عن النفس، ويذهب للتسوق دون الاحتراز من المرض، ويضرب بعرض الحائط كل التوجيهات والنصائح الإعلامية، وفي ظل غفوته وعندما يشعر أن المرض بدأ يقترب ويطرق باب بيته يأتي عبر شبكات التواصل الاجتماعي ينادي ويطالب باستقالة وزير الصحة وغيره من العاملين في القطاع الصحي، فمن أين لك هذا أيها المواطن؟
ألا تعلم أن القطاع الصحي يعمل اليوم بكافة طاقته من أجل تقديم الرعاية الصحية، فماذا تريد منهم؟
1. هل تريد من الحكومة أن تعمل سياج على الشاطئ لمنعك من الذهاب إليه؟
2. هل تريد من الحكومة أن تعين حارس عند باب كل مواطن ليمنعه من الخروج؟
3. هل تريد منهم أن يراقبوا كل مصاب حتى لا يكسر الحجر المنزلي؟
4. هل تريد منهم أن يراقبوا كل مواطن يقوم بالدعوة للتجمعات الاجتماعية؟
5. هل تريد منهم أن يحرسوا كل المواقع السياحية وإغلاق كل الطرق لمنع المواطن من التجمع فيها؟
الإشكالية التي وقعنا فيها جميعا نتحمل مسؤوليتها واليوم ندفع الثمن لأننا لم نكن عند مستوى الثقة التي منحت لنا في حماية أنفسنا أولاً وحماية الاخرين ثانياً، وحماية هذا الوطن من انتشار الوباء، للأسف ضرب عرض الحائط كل التوجيهات والنصائح وعاش الكثيرون حياتهم المعتادة دون وعي أو مسؤولية، وعندما أصيبوا بالمرض بدأت أصابع الاتهام توجه للآخرين، إنه الإخفاق والأنانية وقصور في الشعور بالمسؤولية وإلقاء التهم على الآخرين لأنك لم تستطع إبعاد نفسك عن المرض، وأصبح نجاح المنظومة المجتمعية في مواجهة هذا الفيروس مرهونا بنجاح الأفراد في تمثل مسؤولياتهم الفردية والتزامهم بقواعد التباعد وحث من حولهم على ذلك.
حميد بن مسلم السعيدي