ملحمة وطنية كبرى شهدتها عمان خلال الأيام الماضية منذ أن ضرب إعصار شاهين ساحل بحر عمان في ولايات شمال الباطنة السويق والخابورة وصحم، فقد تحولت الحالة المدارية الى كرنفال وطني استنفرت فيه السلطنة قواها الوطنية شعبيا ورسميا لمعالجة آثار الاعصار، واصلاح الاضرار التي تعرضت لها المنطقة التي عبرها الاعصار يوم الأحد الماضي الثالث من أكتوبر ٢٠٢١م، فأراد الله أن يظهر هذا الشعب الكريم ما يكمن لديه من شمائل كريمة وصور ناصعة تجلت في ملحمة كبرى شهدتها منطقة الاعصار وهبة تاريخية سجلتها عمان وعلامة امتياز في اختبار إعصار شاهين وهي بلا شك جديرة بهذا الشعب العظيم، ودولة مؤسسات نزلت عن بكرة أبيها في الميدان لتعلن للعالم من هي عمان، لقد كانت لحظة تاريخية سجلها أبناء عمان الأوفياء، وما زالت هذه الملحمة الوطنية مستمرة ولله الحمد .
نماذج عظيمة قدمها أبناء الشعب العماني قاطبة في هذه الملحمة الوطنية وصور جليلة شتى تجلت في هذه الحاسمة التاريخية، نعم لقد تناسينا ما مر على المنطقة من إعصار وأضرار، وحق لنا الفخر فقد تحولت عمان الى خلية نحل تحرك كل من فيها باليد والقلب واللسان فشكلوا لحمة وطنية واحدة، ورسموا لوحة جمالية من التكافل والتكاتف والتعاون، فقد هبت جميع محافظات وولايات السلطنة لاغاثة ومساعدة أبناء المناطق المتضررة، وهذه الهبة الوطنية ليست غريبة على هذا الشعب العظيم، فهو مشهد متوارث منذ القدم، لكنه فاق كل التصورات فلم يبقى بيت في عمان قاطبة إلا وشارك في هذه الملحمة الوطنية الكبرى ولله الحمد .
الاضرار والخسائر التي حدثت بفعل كميات الامطار التي بلغت مستويات قياسية لم تشهدها عمان من قبل وكذلك بفعل الرياح الشديدة التي صاحبت الامطار الغزيرة، فهناك ضرر كبير لحق بالبنية التحتية حيث تقطعت شبكات الطرق في الولايات المتضررة وتقطعت خطوط الاتصالات والكهرباء والمياه، وتضررت منازل المواطنين والمقيمين بشكل كبير، وجرفت مياه الاودية والشعاب بعض المنازل عن بكرة أبيها، وجرفت معها الكثير من المركبات والحيوانات والمصالح الخاصة والعامة، حتى المحلات التجارية والمؤسسات الخاصة لم تسلم من شدة الاعصار، وكذلك المساحات الزراعية تضررت بشكل كبير حيث جرفت الاودية مساحات من الاراضي الزراعية ودمرت الكثير من المزروعات بل دمر الاعصار بلدات صغيرة في بعض الاودية بأفلاجها ومزارعها وبيوتها، أما الأرواح التي ذهبت مع هذا الاعصار فهم شهداء بإذن الله .
الهبة الوطنية العمانية برزت منذ اللحظة الاولى في حالة استنفار وطنية استثنائية جمعت عمان كلها على قلب رجل واحد، فقد نزلت قوات السلطان المسلحة بمختلف اسلحتها وتشكيلاتها الى أرض الميدان وتولت معالجة الآثار على قدم وساق، كما سهرت شرطة عمان السلطانية على تنظيم حركة السير وعمليات الاغاثة والدفاع المدني، وكذلك الحرس السلطاني العماني وباقي الاجهزة الامنية والعسكرية، ومازالت تعمل بكل قواها في مؤشر كبير لحجم تلك الجهود الوطنية، وقامت مختلف الجهات الحكومية الأخرى بمهامها للاسراع بعودة الحياة الطبيعية الى المناطق المتضررة، كذلك هبت الفرق الخيرية والمتطوعين من أقصى جبال مسندم في شمال عمان الى أقصى جبال ظفار جنوب عمان، فقدمت عمان لوحة وطنية مشرفة في هذه الملحمة، وبلغ عدد العاملين في منطقة الاعصار عشرات الآلاف من مختلف الجهات، ولم تخرج محافظة أو قرية عمانية من هذه المعادلة الوطنية التاريخية.
اليوم تجاوزت عمان ولله الحمد الحالة الاولية ووصلت المواد الاغاثية الى كل الاسر المتضررة من مؤن غذائية ومياه وأدوات منزلية ومستلزمات خاصة، الكل أسهم في هذه الملحمة الوطنية رجال عمان ونساءها، نعم لقد تجاوزت عمان هذا الاختبار المداري العنيف بعلامة نجاح وأمتياز ولله الحمد، فلله درك يا عمان وهنيئا لك هذا الشعب العظيم، نعم عمان بخير طالما حافظت على هذا الرصيد الكبير من القوة الوطنية، بوجود هذا الشعب العظيم الذي يصنع المعجزات في الازمات وأوراق رابحة تدفع عند الضرورات وفي الحواسم التاريخية، نعم نحن بخير ولله الحمد بفضل هذه الهبة الوطنية التي ضربت أروع الأمثال، وما سجله هذا الوطن العزيز اليوم نسجله للتاريخ والأجيال، وختاما نقول حفظ الله عمان ولله ما أعطى ولله ما أخذ وهو سبحانه الرزاق ذو القوة المتين، راضين بقضاءه شاكرين له في السراء والضراء، والله سبحانه بعباده خبير بصير والحمدلله رب العالمين .
خميس بن عبيد القطيطي