…
غالبا .. الكثير منا له مواقف سلبية مع الجالية البنغالية ..
أغلبنا يمقتهم .. وأكثرنا يتوجس منهم خيفة ولا يثق بهم .. ولا فيهم .
لكن هذا لا يمنع ولا ينفي وجود حالات بنغالية نادرة ..
ونماذج إنسانية رائعة ..
سأحدثكم عما حدثتي عنه أحد الأصدقاء ..
..
يقول الصديق ..
كنت عسكريا بسيطا .. تقاعدت من عملي منذ سنوات .. وكانت رواتب المتقاعدين قبل 13 سنة ضعيفة جدا ..
وهزيلة للغاية .. وربما مازالت كما هي .. لم ترتفع سوى بعض البيسات أو بعض الريالات.
كنت مرهونا للبنك بنصف راتبي ..
فأخذ البنك يفترس راتبي افتراسا دون رحمة .. ويعبث بحياتي دون رادع أو شفقة .
طبعا .. صارت حياتي ثقيلة بسبب الوضع المادي ..
ومرت علي أياما صعبة .. مظلمة .
مددت يدي لأقرب
الناس مني .. ولم يسعفني أحدا منهم ..
كانوا يتجنبون حتى مجالستي .. أو مرافقتي.
كان بجوار منزلي محل لكي وغسل الملابس ..
يعمل فيه عاملا بنغاليا منذ سنوات طويلة ..
وكنت زبونه الدائم .
ذات ضحى .. دخلت عليه وأنا منهكا .. ساخطا .. مكتئبا من ضغط الحياة .. وقسوة الناس ..
كنت قاصدا الجلوس معه .. والفضفضة إليه فقط والتخلص من السواد الذي يملىء صدري .. ويجثم على روحي .
ولأول مرة أفتح له صدري .. وأشكو له همي بهذه الصراحة .. وبتلك الشفافية ..
لاحظ العامل مقدار سخطي .. وقتامة أحاسيسي .. واصفرار مشاعري نحو كل ما حولي .
فتفاجأت بأنه يفتح محفظته ويخرج لي 100 ريال .. ويقول لي : ” خذ هذه .. وفك بها كربتك .. وإذا احتجت اي مبلغ آخر فلا تتردد ..”
وقفت لدقائق .. مذهولا .. مندهشا .. خارسا..
لم أستطع أن أنبس ببنت شفة ..
ولم أتمكن من أن أمد يدي للعامل البنغالي الذي لا أعرف كم دقيقة كان مادا يده بالمبلغ ..
ولكني شعرت به حين وضع المبلغ في جيبي بعد أن تأكد بأن أصابع يدي لا تتحرك .. ولن تتحرك قريبا .
أقرب أقاربي لم يساعدني بعشرة ريالات ..
وهذا الأجنبي الوافد يضع مائة ريال في جيبي دون أن أطلب منه ذلك صراحة ..
يفتح محفظته ويخرج كل ما جناه من عرق يده خلال شهر كامل .. ويضعه في جيبي دون تردد .
لحظة ..
لم تنتهي القصة بعد ..
ظل هذا البنغالي مادا لي يده .. ولم يوقفها أو يمنعها طوال سنوات .
ظل يفرج كل كرباتي .. وييسر كل ضوايقي ..
ومازال حتى اليوم هو أعز إنسان لدي .. بل هو يحتل مكانة في قلبي تتجاوز مكانة الأخ .. والأصدقاء الذين يتشدقون بالأخوة .. ويتفاخرون بالصداقة .
ولا أذكر يوما ما بأن هذا العامل البنغالي الفقير طلب مني خدمة مقابل ما يقدمه لي من خدمات ومساعدات ..
..
بعد عشرة أيام من استلام راتبي .. تجف محفظتي .. فألجأ إلى صديقي البنغالي .. فييسر لي صعوبة الشهر وثقله .. ويذلل أمامي عقبات الأيام وعسرها .. حتى يحين وقت نزول الراتب الثاني ..
لولا هذا البنغالي الفقير .. لربما أكون حاليا في السجن .. أو ربما في مستشفى المسرة للأمراض النفسية والعصبية .
هذا نموذج من البنغاليين الذي نكن لهم كل الإحتقار .. ونسومهم بأقبح الصفات وأبشع الألقاب .
وإنني لعلى يقين تام بإن هناك من ينتمي لنا و يعيش بيننا وحولنا .. هو الأسوأ .. والأقبح في كل شيء من البنغال .. !
ومن يريد أن يعرف حقيقة شعب ما .. فليذهب إلى محاكمهم .. ولينظر في ماذا يتحاكمون .. ولماذا يتنازعون ويتخاصمون !
عبدالله الفارسي