اليوم اتصل بي صديق لأتناول وجبة الغداء معه ..
نادرا جدا يتصل بي أحد لأتناول معه كوب شاي .. وكسرة بسكويت فما بالكم بوجبة غدا .
إنه شيئا في الخيال .!!
حقيقة ثمنت دعوته ..
وكبر حجمه في قلبي .. ونافس أسماء كثيرة ..
بل زحزح البعض إلى خارج أسوار القلب .. واحتل مكانهم .
شيء بسيط جدا قد يحدث فرقا كبيرا في العلاقات ..
دعوة لتناول كوب من الشاي مع الفطائر أو الكعك ..
جلسة لتناول الحلوى مع القهوة ..
وجبة فطور .. ما المانع ..
ليس هناك مشكلة حين تتصل بصديقك .. وتطلب منه الحضور في الصباح لتتناولا الفطور مع بعض ..
جلسة صباحية نقية وجميلة في أيام الاجازات العديدة والمملة .
ليس شرطا أن تذبح عجلا .. أو تنحر جملا ..
..
صديقي اليوم قدم لي رزا أبيض مع العوال المقلوب بالبصل والطماطم ..
وجبة لطالما عشقتها ..
وجبة أفضل بعشرات المرات من شرائح اللحم .. وأفخاذ الدجاج ..
وجبة خفيفة .. لذيذة .. ولا أظن أنه يختلف اثنان من مجتمعنا في روعتها .. ولذتها .. وبخس ثمنها . .
إذن .. القضية ليست قضية حجم الوجبة ونوعها .. ولا طول السفرة وعرضها .
القضية هو في المبادرة ذاتها ..
حين تبادر في دعوة أخ أو صديق أو جار .. و لو كل شهر مرة واحدة … أو كل شهرين مرة
تدعوه إلى بيتك ..
وتجلسا معا ..
يقول لي صديقي اليوم بأن مجلسه لم يدخله أحد منذ العيد الماضي .. يفتحه كل اسبوع للتنظيف فقط .. ثم يغلقه .
لا أحد يقرع بابك أبدا ..!
أعتقد بأننا جميعا مجالسنا لم تفتح منذ العيد الماضي ..
وجاء كورونا .. فأحكمنا مضطرين .. إغلاق أبوابنا و مجالسنا .
لم يزرنا ضيفا .. ولم نستقبل قريبا ولا حبيبا منذ فترة طويلة ..
ولم تدخل البركة في بيوتنا منذ شهور عديدة ..
يعرف عن العرب عادة جميلة .. وهي الفرح بالضيف .. والابتهاج بدخوله بيوتهم ..
حتى لقد عرف عن كثير منهم إنه إذا حان وقت الغداء ..
وقف الرجل خارج البيت ينتظر أي عابر سبيل .. فيدعوه ليشاركه الغدا .. ويقاسمه الطعام ..
إنها أخلاق نبيلة .. وصفات جميلة .
إنها بركة لأهل البيت .. ومغفرة لذنوبهم .. وتطهير لبيوتهم ..
هكذا كان العرب الأوائل يحرصون على العثور على الضيف .. رغم فقرهم .. وشظف عيشهم ..
أخبرني أحد أقاربي الطاعنين في السن قصة قديمة عن رجل كريم وفاضل من مدينتنا ..
كان رجلا عاديا .. لا يملك ثروة .. ولا يقتن ذهبا ولا يسكن قصرا ..
كان بسيط الحال .. لكنه سخي النفس … كريم الطباع .
يقول : كان يذهب في كل جمعة إلى المسجد .. ويرصد الغرباء ويتصيدهم .. ويحضرهم معه إلى تناول الغدا في بيته ..
أحيانا يظفر بواحد .. وأحيانا بإثنين .. .وأحيانا أخرى يحضر معه خمسة رجال أو أكثر ..
وإذا لم يعثر على أحد عاد إلى بيته كئيبا حزينا ..
المهم .. كان لا يرجع إلى بيته بدون غريب .. يتبارك به في بيته كما كان يقول .
وظل محافظا على هذه العادة الكريمة الرائعة حتى وافته المنية .
مثل هولاء الرجال.. كانت نفوسهم الغنية .. وقلوبهم الثرية النقية هي من يدفعهم إلى هذا السلوك ..
وانظروا الى وضعنا اليوم ..
محافظنا معبأة بالريالات .. وثلاجاتنا مليئة باللحوم والأسماك ..
و معنا الدجاج والخضار والفواكه …
لدرجة انه أحيانا تنتهي صلاحيتها .. ونرمي بها إلى صناديق القمامة …
و لا نفكر في دعوة أصدقاء .. ولا استقبال ضيوف على الأقل لاستهلاك هذه المأكولات .. بدل رميها ..
كانت أمهاتنا رحمهن الله دائما يزدن في حجم الطعام .. إما لتوزيعه على الجيران …أو توقعا منهن بقدوم ضيف بشكل مفاجىء …
وكن دائمات الدعاء
( اللهم أكرمنا بضيف يبارك الرزق ).
النفوس اليوم أصبحت شحيحة .. والقلوب أضحت ضيقة خسيسة ..
الكل يغلق بابه على نفسه ..
ويملىء بطنه .. ولا يكترث بجيرانه .. ولا يفكر بدعوة ضيف أو غريب إلى بيته ..
فبادروا في فتح مجالسكم .. وادعوا احبتكم واصدقاءكم..
واقتسموا لذيذ طعامكم مع من حولكم .. فسيبارك الله في رزقكم .. وفي بيوتكم ..
ولكن ليس الآن .. وإنما بعد أن يخرج هذا الكورونا الثقيل من أرضنا .. ويبتعد عن بيوتنا ومجتمعنا .
بوركتم
عبدالله الفارسي