اختتمت يوم الأثنين الماضي ١٣ يوليو ٢٠٢٠م اجتماعات اللجان الفنية والقانونية ووزراء الري للدول الأطراف في مباحثات سد النهضة الأثيوبي دون تحقيق أي اختراق للنقاط الخلافية العالقة في الأزمة وهي قضايا الملء والتشغيل وايجاد توافق بين الدول الثلاث حول فترات الجفاف الممتد ومواسم ندرة الأمطار والتصريف بالاضافة الى مسألة أمان السد ومختلف النقاط الأخرى العالقة، ومن المنتظر أن يقدم كل طرف تقريره الى الاتحاد الأفريقي الذي ترأسه دولة جنوب أفريقيا وعلى أمل أن ينعقد مؤتمر قمة خلال الأسبوع المقبل لمحاولة التوصل الى اتفاق يضمن حقوق مختلف أطراف الأزمة .
ماراثون طويل من المفاوضات والاجتماعات منذ اتفاق اعلان المبادئ الموقع في الخرطوم مارس ٢٠١٥م ذلك الاعلان الذي اعتمد في أحد مبادئه العشرة عدم اتخاذ أي اجراء أحادي قبل توقيع الاتفاق النهائي، علما بأن أثيوبيا كانت قد أعلنت انها ستبدأ الملء خلال شهر يوليو الجاري فما الذي تخبيه الأيام القادمة في هذا الملف المتأزم؟
اجتماع القمة السابق للدول الاطراف قبل أسبوعين كان ايجابيا في عدول أثيوبيا عن قرارها بدء الملء بشكل أحادي الجانب، لكن حرب التصريحات المتبادلة جعلت الموقف غير واضح، وبالتالي فإن أي إجراء أحادي من قبل أثيوبيا قبل التوصل لاتفاق نهائي سيضع مصر أمام خيارين أما القبول بالواقع أو خيار الحسم الأمني /العسكري بما يجره ذلك من تداعيات خطيرة على الجميع، لذا يدرك الجميع اليوم أهمية التوصل الى انفراج في النقاط العالقة واتمام مسودة الاتفاق النهائي الذي يضمن حقوق الجميع، خصوصا مصر التي تتعرض لأحد أخطر مهددات الأمن القومي نظرا لما يمثله نهر النيل في حياة (١٠٠) مليون مواطن مصري كما عاشت مختلف حضاراتها على هذا النهر العظيم وارتبطت به وجدانيا وثقافيا ومعيشيا، والمعروف أن كل الانهار حول العالم لا يمتلك التصرف في منابعها دول المنبع لذلك نظمت اتفاقيات ١٩٠٢، ١٩٢٩، ١٩٥٩م تلك الحقوق في عدم المساس بحقوق دولة المصب مصر بل أن تلك الاتفاقيات منعت قيام أي مشاريع وانشاءآت على منابع النيل دون موافقة مصر .
مصر تدرك اليوم أن سد النهضة واقع قائم رغم عدم اخطارها في بداية انشاءه ولا تمانع من استفادة اثيوبيا اقتصاديا في انتاج الكهرباء من خلال هذا السد العملاق الذي يعتبر من أكبر مشاريع السدود حول العالم حيث يستوعب (٧٤) مليار متر مكعب وهو ما يعادل حصتي مصر والسودان خلال عام كامل أي (٥٥،٥) مليار لمصر و١٨،٥ مليار للسودان، لذا يقع على عاتق الاتحاد الافريقي مسألة مهمة جدا في احتواء هذا الملف وتجنب تصعيده وتأكيد عدم إقدام اثيوبيا على أي اجراء أحادي قبل التوصل الى حلول مقبولة حول النقاط الخلافية فيما يتعلق بفترات الجفاف وبقية النقاط الأخرى وتوقيع الاتفاق الذي يضمن حقوق جميع الدول الاطراف .
مصر تدرك أن ملء سد النهضة بلاشك سوف يعرض حصتها السنوية من المياه الى نقص شديد ولكنها تقبلت ذلك، إلا أن تنظيم عملية الملء والتشغيل ووضع آلية واضحة تراعي فترات الجفاف وندرة الامطار وبقية النقاط الفنية والقانونية الأخرى بما لا يعرض مصيرها وأمنها القومي وحياة شعبها لمخاطر كبرى هي ضرورة استراتيجية تقع على عاتق الجميع، علما بأن مصر تعاني من شح المياه في الظروف الاعتيادية لفترات الجفاف وندرة المياه وتقل المياه في الترع بما يؤثر على الزراعة ومختلف الاستخدامات الأخرى، كما يتعرض السد العالي لمخاطر جراء نقص المياه بشكل قد يؤدي الى توقف بعض مولداته عن العمل في فترات الجفاف فكيف سيكون عليه الحال في ظروف الملء في فترات الجفاف؟! وهنا ينبغي على أثيوبيا تدارك تلك الحقائق واعتبار الأمن القومي لمصر مرتبطا بأمنها القومي خاصة أن حاجتها اقتصادية في توليد الكهرباء بينما حاجة مصر معيشية حياتية علما بأن أثيوبيا تعتمد على مياه الأمطار في الري ولا تعتمد على نهر النيل لذلك تم بناء السد على حدودها الشمالية مع السودان، وهذا الأمر يضع السودان أيضا أمام أخطار محدقة لو حدثت أي مشاكل أمنية في سد النهضة .
القيادة في أثيوبيا ينبغي أن تدرك أن مطالب مصر اليوم محصورة في تنظيم العملية بالشكل الذي يحفظ حقوق الجميع وليس على حساب أي طرف، وبإمكان أثيوبيا التعامل بشكل أكثر مرونة في سبيل انهاء أزمة سد النهضة .
إن الأمن القومي المصري لا يعني مصر وحدها بل هو أمن قومي عربي وافريقي أيضا، والتاريخ سجل لمصر مواقف وأدوارا مضيئة لذا ينبغي أن يستذكر الجميع تلك المواقف التاريخية المضيئة، ومن المهم أن تدرك دول القارة الافريقية أن العامل الخارجي الذي يتربص بالجميع لتحقيق أجندته يحاول استثمار هذه الأزمة لتحقيق مآربه وأجندته عليه يجب أخذ الأمر من مختلف جوانبه .
نأمل أن تدرك أثيوبيا أهمية إبداء مرونه في تحقيق انفراجة حول النقاط العالقة واتمام الاتفاق النهائي الذي يؤمن حقوق جميع الاطراف ويحفظ الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة .
خميس بن عبيد القطيطي