ككل عظماء العرب في التاريخ كان يحب القريض فوجه بإقامة أول مسابقة للشعر.
وكان يحب الشعراء فأفسح في المهرجانات الوطنية للأعياد زمنا للقصيدة ليكتمل الفرح.
وتسابق الشعراء إلى السيوح السلطانية حيث خيمته ورايته وبساطه الممدود ليلقوا بين يديه القصائد.
وحين نقلب سفر الأيام من يوليو ١٩٧٠ إلى يوليو ٢٠٢٠ تطالعنا مذهَّبات أهل عمان ومفضلاتهم ومعلقاتهم فنرى نصفها يتغنى بعمان ونصفها ينحني إجلالا لعظيمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الذي أحيا الأمجاد ومن بينها الشعر.
وبينما تسابقت الجهات الحكومية لاستعراض حصاد المسيرة المباركة في يوبيلها الذهبي ، غاص الأديب الشيخ عبدالله بن أحمد الحارثي في لجج البحور لانتقاء أجمل الجواهر التي توثق الحضور الذي مثَّله الشعر في مغاني المسيرة ، ليقلِّدَ عمان “الوسام الأدبي وفاء لعهد السلطان قابوس الذهبي”.
ورغم أن البطل الذي لأجله كان هذا السِّفر قد رحل ، إلا أن زمنه امتد ليعطي للتوثيق شرف الاستمرار ، ولزمنه استحقاق التقلُّد بالوسام.
ومن محاسن الصدف أنني التقيت أبا اليقظان المؤلف لهذا السفر الشعري الباذخ ذات زمن في السيوح السلطانية ، واستمعنا معا لبوح الشعر في حضرة قابوس العظيم.
وجمعتنا أزمنة السيوح لنتوقف عند القصائد التي كتبت ووثقت فنستعيدها تاريخا وأغنيات
ودار الزمان دورته لأصافح أبا اليقظان عام ١٩٩٠ وفي يده أول حصاد لعقدين من المذهَّبات العمانية بعنوان ” أصدق المشاعر في رسالة الشاعر”
وقد قدم لسفره القيِّم ببيتين من شعر والدي:
قم حدث الشعر عن سلطاننا الحالي
واشرح له ما ترى من حسن أعمال
وقل له إنما الدنيا قد ازدهرت
به وتاهت بحسن المظهر الغالي
وهاهو يكرمني اليوم بإهداء نسخة من سفره الثاني “الوسام الأدبي وفاء لعهد السلطان قابوس الذهبي”.
ولقد استفتحَ معالي السيد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني الكتاب أو الوسام بمقدمة معطرة بالوفاء للسلف والولاء للخلف:
“لقد باركنا فكرة الوسام الأدبي عندما عرضت علينا قبل عام مضى يملؤنا التفاؤل والبشر آنذاك ..
كان الأمل كبيرا في أن تعيش عمان الفرحة والبهجة والسعادة طوال ٢٠٢٠ أو أكثر…
ورغم أن الموت حق حاله حال الحياة ولكن لم نتصور أنه قريب إلى هذه الدرجة التي خطف فيها أعز الرجال وأنقاهم قبل أن تستكمل الأفراح معه وندخل السرور عليه وفاء لبعض حقه علينا..
قدر الله وما شاء فعل…”
ويكتب أبو اليقظان مقدمة أخرى لوسامه الأدبي :
“بأن الإبداع عندما يكون منصبَّاً في اتجاه بلد جميل كسلطنة عمان وسلطان عظيم كمولانا حضرة صاحب الجلاله السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه فإن اللسان سينعقد عن القدرة على التعبير قبل أن تتوقف الأقلام عن الجريان في الأطراس والقرطاس ، فماذا عساه أن يقول في وصف هذا البلد الطيب ، أو يكشف عن مكارم أخلاق أهله أو حكمة سياسة قيادته ، أو الإشادة بماضيه العريق وحاضره الزاهر”.
وبالتطواف في هذا الوسام الأدبي تتلألأ ٢٥٠ قصيدة توزعت على خمسة أبواب.
وينفتح الباب الأول على خمسين قصيدة عمانية من الشعر الفصيح.
ويستكمل الباب الثاني بخمسين قصيدة أخرى لفرسان الشعر الشعبي العماني.
أما الباب الثالث فنطل منه على شاعرية حواء التي اقتسمت القصائد الخمسين بين فصحى وقصائد شعبية.
واتسع الباب الرابع لبوح الشاعر العربي من الخليج إلى المحيط.
ويغلق أبو اليقظان الباب الخامس على خمسين قصيدة مغناة وأنشودة شعبية.
وكما كان أبي في كتابه الأول عام ١٩٩٠ كان الهلال السيابي يصدح بعمان “مجدك باق” في الكتاب الثاني الصادر في ٢٠٢٠م:
عمان مجدك باق طيلة الأمد
في جبهة الشرق من عزٍّ ومن صَيَدِ
تهفو إليك الليالي في تداولها
سيارة بين درعٍ منك أو زردِ
وقد احتوى السفر الشعري على عشرات الصور المنتقاة بعناية فخدمت مغاني الشعر وهي تتوزع على قصائد الجزأين.
ولعل الأديب الحارثي انطلق من توحد المشاعر فحشد الشعراء في ميدان واحد ولذلك جمع الجزأين ضمن مجلد واحد فتضخَّم في ٥١٤ صفحة.
ولأن الشاعر عبر الزمان هو الإعلامي الأول ، فإن عمان تدين لإعلامييها الشعراء بكتابة الحكاية العمانية الطويلة.
ووسام أبي اليقظان الحارثي أحد أجمل فصول الحكاية.
حمود بن سالم السيابي
————————
مسقط في ٢٢ يوليو ٢٠٢٠م.