تمرُّ عُمان بعهدٍ جديدٍ، ويبدأ هذا العهدُ المتجددُ من العام ٢٠٢٠م، ويحملُ في طيَّاته آمالًا وطموحات بحياة الرخاء واستدامة التنمية، مُحمَّلًا في الوقت ذاته بالتحدياتِ والعقباتِ الداخلية والخارجية، بعضها واضحٌ للعيان، وبعضُها خافٍ عن الأنظار.. ومهما يكن الوضع، فلابد من تشخيص دقيق للوضع الحالي، وخارطة طريق واضحة تبيِّن: أين نحن الآن؟ وإلى أين تكُون وجهتنا؟ وكيف لنا أن نصل إلى تلك الوجهة؟ ومن هو المسؤول الذي يُمكن أن يُوصلنا إلى تلك النقطة؟ والوقت الذي يَلزمنا في هذه الرحلة؟ وكيف سيكون تعاملنا مع ما سيواجهنا في الطريق؟ هل هي رحلة مُخطَّطة؟ أو أنها تتموَّج حسب اتجاه الرياح، يمينا حيناً، وشمالا حينا آخر؟
بقدر الطموحات يكُون الجهد، وبما أنَّ طموحات السلطنة عالية وعظيمة وليست عادية، فلابد أنْ يُقابلها جهد ممنهج، وخطط إستراتيجية واضحة وواقعية، وقوى بشرية مؤهلة مُخلصة وطموحة، وتشريعات عصرية مَرِنة ومنطقية، وميزانية مالية مناسبة، وأنظمة إلكترونية متقدمة، وإطار حوكمة يُساعد في التنفيذ، ويُقيِّم بشكل دوري، ويُحَاسِب مَنْ أخفق في التنفيذ حسب مُؤشرات أداء متفق عليها، ويُمكِّن الجميع من تعديل الأنظمة واللوائح الاسترشادية القائمة إلى تبني أنظمة عصرية تتواكب مع المعطيات المحيطة بكل سهولة ودون تعقيد.
العاملٌ الأساسُ والأهم من العناصر المذكورة أعلاه هو: الإنسان أو “المسؤول”، ومن معه من مُوظفين، والثقافة والعقلية التي تجمعهم؛ فهناك ثقافة (الممنوع)، وهذا النوع يتميَّز بأن العدد الهائل الذي ينتظرك في الجهة الحكومية الفلانية لا يحملون في رؤوسهم إلا كلمة (ممنوع)، فالمراجع على علم مسبق قبل أن يتوجه إلى تلك الجهة، أن أول كلمة تنتظره وسوف تُواجهه هي كلمة “ممنوع”، وهناك أيضا في المقابل بعض الجهات الحكومية تحمل ثقافة (الممكن)، والمراجع يعلم أنَّ في تلك الجهة من سيستقبله ويرحِّب به، ويقول له إنَّ هذا الموضوع مُمكن تحقيقه، ويرى تعاونا منقطعَ النظير، ويلاحظ أن معاملته تنتهي بكل سهولة ويُسر، وهذا ما يميز بين مسؤول ومسؤول آخر، وجهة وجهة أخرى.
وبما أنَّ عُمان تسعى لتكملة مشوار التقدُّم والنماء، ومواجهة التحديات مهما كانت مُعقدة ومُتشابكة؛ فلابد أن تتسلح بأشخاص يحملون ثقافة وعقلية “الممكن” الذي يتميز بتشخيص دقيق يرى آفاقًا واسعة أمامه، حلولًا وليس حلًّا لكل مشكلة، لا يبدأ حديثه بالتبرير، بل بالاستماع والإصغاء المركز، ومحاولة فهم المشكلة من جميع جوانبها؛ ليتمكن من وضع الحلول والبدائل، وإقرار الأنسب فيما بينهم. فالذي يستمع للمراجع ولباقي موظفيه، ويشركهم بوضع الحلول والإجراءات السهلة والسريعة، هو من يُحاول أن يرصد الأعمال والمهام التي تتقاطع وتتشابك مع جهات أخرى تتكرر في تعطيل مصالح الناس، ويبادر من تلقاء نفسه للالتقاء معهم، ليعرض عليهم البدائل الممكنة، الهادفة لحياة أفضل للمواطن والمقيم والزائر. المسؤول هذا الذي يرصُد الصعوبات والمنغصات التي تواجه المراجعين بشكل متكرر، ويسعى لإزالتها، ويستبدلها من مستحيلة أو ممنوعة إلى ممكنة، هذا المسؤول لا ينتظر أن تُحال إليه المواضيع، بل يذهب ويبحث ويتقصَّى بنفسه عن مدى فاعلية أداء موظفيه وصحة الإجراءات المقررة، وتعديل ما يجب تعديله.
ينتشرُ كثيرًا في المجالس والمواقع الافتراضية أنَّ عُمان خسرتْ الكثيرَ من الوقت والعديد من المبادرات والمشاريع والفرص؛ بسبب مُعرقلِي التنمية، وأهم مُعرقلي التنمية هو من يحملُ عقلية مُعبَّأة بكلمات مثل: الممنوع أو المستحيل، أو لا يُمكن، أو ما شابهها من كلمات ومفاهيم بالية، السلطنة لا تحتمل أكثر من ذلك التعطيل والمماطلة، خاصة في هذا التوقيت وفي هذا العهد، ولابد من استبدال الثقافة والعقليات إلى ثقافة حكومية للمسؤول والموظف والمؤسسة والأنظمة والتشريعات إلى: نعم نستطيع، هذا ممكن، ويكون ذلك بقوة القانون، ومن خلال أنظمة رقابية صارمة ومؤشرات أداء واضحة قابلة للقياس، تستطيع رصد المنتج من المعرقل المستهتر والكسول والمحابي، وعلى الجميع إدراك أنَّ أسهل طريقة للتراخي وعدم الإنتاجية هي استخدام كلمة “ممنوع”، أما المنتج حامل عقلية “الممكن” غهو من فيرى أنَّ كل شيء أمامه هو عبارة عن عشرات الفرص وآفاق لا تنتهي، ولابد من الاستفادة القصوى منها.. وهؤلاء هم من تحتاج إليهم عُمان.
خلفان الطوقي