تعود العمانيون على مقالب ومنغصات مالية شتى بين فترة وأخرى ، وتمتاز هذه المقالب بأنها لا تأتي دفعة واحدة ، بل تأتي تباعا وعلى فترات متباعدة كي ينسى ضحاياها مقالبهم السابقة ، على سبيل المثال.. المحافظ الوهمية التي استولت على عشرات الملايين من أموال العمانيين ، والتجارة أو التسويق الشبكي بحيل غريبة وعجيبة تحت مسميات تختفي وتظهر بصيغ جديدة ، والتسابق لأسواق المال المحلية والخليجية وإن تطلب الأمر السفر إلى دول الخليج برا وافتراش الشوارع وقطع آلاف الكيلومترات وبيع ورهن ما يملكون وما لا يملكون والاقتراض بمبالغ خيالية والشراء على المكشوف، كما لا يفوتنا في هذا الصدد دخول معظم العمانيين في المحافظ الهرمية كبيرة العدد واجتذابهم لها بمسميات “دينية” جميلة وإقحام بعض الشخصيات الدينية في الموضوع وافترائهم بأن هذه الشخصيات جزء من هذه الجمعيات والتي مازال يعاني بعضهم إلى الآن من عدم تحصيل أموالهم وخاصة “غير المؤسسين” لهذه الجمعيات، أضف إلى هذا أمثلة أخرى.. كالتجارة الشبكية ومبادئها السرية الغريبة وبيع الإجازات أو ما يسمى بـ (time share) التي لم يستفد أحد قطا منها، ولن ننسى العقود الوهمية للشاحنات أو السفن أو حتى الطائرات لشركات النفط.
ساقني إلى الكتابة في هذا الموضوع قصة أحد الأصدقاء حيث روى لي بأنه تلقى مكالمات هاتفية متكررة من إحدى الشركات تسأله بأن لديها فرص وظيفية وبمزايا أفضل من الحكومة والقطاع الخاص وحتى الشركات العالمية الكبرى، ولكي يحصل على الوظيفة يجب على المتقدم أن يذهب إلى موقع المكتب، وبعدما شد صديقي رحاله إلى الشركة المعنية تفاجأ بمعلومات تختلف عما دار في المكالمة الهاتفية، وتتلخص الشراكة الجديدة بين الشركة وصديقي في عدد من النقاط التي لم يستوعبها وكاد أن يقع في الفخ من ضمنها أنه يجب أن يدفع مبلغا “فوريا” للاشتراك في أنشطة الشركة، وكان من حسن حظه أنه تمكن من التملص من هذا البند، وبدت لصاحبنا البنود الأخرى أكثر تعقيدا كضرورة اجتذاب تسعون عميلا على الأقل للشركة في مدة قياسية وإقناعهم بالحصول على عضوية الشركة، وبعدها سيحظى صاحبنا بالمميزات الوظيفية المغرية التي تعادل مزايا كبار الموظفين والمهندسين والأطباء بل تزيد، علما بأن المؤهلات الدراسية الجامعية ليست مطلبا أساسيا، اضافة إلى ذلك بأن هناك مغريات لا يتخيلها قلب أو عقل، وأسوق هنا هذا المثال بأن تدفع مبلغ ثلاثين ألف ريال عماني ليتم استثمارها وهم سيدفعون لك بالمقابل ألف ونص ريال عماني شهريا من الشهر التالي إلى أن يصل عمر المستثمر خمسة وستون عاما، وإذا لم يكن لديك هذا المبلغ الهائل يمكنك دفع أربعة آلاف ريال عماني فقط والحصول على مائتين ريال عماني إلى أن يصل عمرك خمس وستين سنة، الم أقل لكم أن مغرياتهم أكثر بكثير من أي جهة حكومية أو خاصة أو حتى الشركات العالمية الكبرى.
ولما سألهم “صاحبنا” عن أنشطة المؤسسة العملاقة، تبين أن نشاطهم يكمن في المقايضة بين عملائها سلعة بسلعة أخرى مضاهية لها في السعر، ولكن للأسف لم يستطع التعرف عن أين يكون مكان مقايضة خمسين ألف عميل حسب ما يدعون وأنها مرخصة بهذا النشاط من الجهات الحكومية.
العجيب أن الأمثلة التي ذكرتها أعلاه تشترك في عدد من العوامل المشتركة من أهمها أنها:
1- تستهدف العمانيين البسطاء
2- معظم ضحاياها البسطاء والمستضعفين في الأرض
3- معظم ضحاياها من حديثي التخرج وحديثي الزواج والمبتدئين في حياتهم المهنية
4- تتبع التسويق السري
5- الاختلاء بالضحية وإحراجه ووضعه أمام الأمر الواقع
6- الضحية هو من يدفع المبالغ لا أن يُدفع له، وتكون بشكل فوري
7- لم يستفد أحد الضحايا لا بالحصول على ماله أو حقه
8- يلدغ الضحايا أكثر من مرة ويكونون من أصحاب الخبرات
9- يكتشف الضحية أن الفأس وقع في الرأس بعد فوات الأوان
10 ـ تتدخل السلطات الحكومية بعد أن يصل الضحايا أكثر من عدد القضاة والقضايا الموجودة في المحاكم
11 ـ لا يباشر الضحية بفضح أمره فورا خوفا من الإحراج أو الفضيحة، بل ينتظر إلى أن يكتشف أن الكثيرين من أصحابه ومعارفه كانوا ضحايا فخ النصب والاحتيال
12- أهم الاستراتيجيات التي يستخدمها المحتالون هو إقحام بعض الشخصيات العامة والمشهورة والرسمية ذات المنصب أو الشهرة أو الجاه أو الوجاهة “دون علم أو إذن”.
أختم مقالتي بنصيحة صادقة مخلصة للقراء الكرام وخاصة البسطاء منهم وهم من يهمونني، عدم الطمع والجشع واستعجال الرزق بل أنصحهم بأخذ المشورة من أهل الخبرة والعلم والحكمة، كما أن لي هناك عددا من التساؤلات الموجهة لحكومتنا الموقرة – بالرغم أن جزء من المسؤولية أيضا تقع على المواطن – وأخص بالذكر البنك المركزي العماني وهيئة سوق المال وسوق مسقط للأوراق المالية وهيئة حماية المستهلك والادعاء العام وشرطة عمان السلطانية ووزارة الشؤون القانونية وغيرها من الجهات الأمنية المعنية، من المسؤول عن هذه المقالب المالية الثقيلة؟ ، وما هو دور الأجهزة التشريعية والرقابية والتنفيذية والأمنية واﻹعلامية حيال مثل هذه المنغصات المتكررة ؟، ولماذا يتم توعية الناس بعد كل مقلب وليس قبلها أو أثناءها؟، ولماذا يتم تقاذف كرة المسؤولية بين أقدام الجهات دون أن تكون هناك خطة طوارئ دائمة تشترك في عضويتها جهات قانونية ورقابية وتنفيذية وأمنية لحفظ اقتصاد عمان من العابثين والفاسدين، وتسخير الملايين “المتبخرة” إلى تنمية وتطوير اقتصاد الوطن وتنويع دخل المواطن بشكل مستدام؟ أن عواقب مثل هذه “المنغضات” تكون عواقبها ونتائجها ليس على المواطن وحده، بل على الدولة بشكل عام، وتظهر نتائجها السلبية على المدى البعيد في جميع جوانب الحياة المختلفة اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية، والاحرى لنا أن نتقي ضربات الفأس