الحمد لله الذي أكرمنا في سلطنة عمان بفيض نعمائه ومكرماته، والحمد لله على ما أعطى وأخذ، “له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون” وما زالت عُمان حتى اليوم وغدا تعالج تداعيات إعصار شاهين الذي ضرب السلطنة في الثالث من أكتوبر عام ٢٠٢١م، وتوغل بقوته في مناطق شمال الباطنة في فجر الرابع من أكتوبر وأحدث أضرارا كبيرة، والحمد لله من قبل ومن بعد. وبعد انجلاء عاصفة الإعصار توجب علينا في هذا الوطن العزيز أن نستخلص الدروس المستفادة للمستقبل وفق آلية وطنية شاملة ومعالجات مؤسسة حكومية. فكما ضربت عُمان أروع المَثل في القِيَم العُليا للإنسانية والوطنية، ينبغي أن توظف هذه الهبَّة الوطنية بالتكافؤ والتوازي مع العمل الوطني على الأرض، وتحقيق أفضل استثمار لهذه المِحنة التي تولد منها مِنحة ربانية في هذا الوطن. ولا شك أن ضخامة الحدث واستثنائيته خلَّفتا بعض النتائج التي تتطلب دراسة شاملة على مستوى الدولة، وعلى صعيد المؤسسات الحكومية المعنيَّة في مثل هذه الأنواء، وفي الغالب ينطبق ذلك على الجميع من أفراد ومؤسسات حكومية وخاصة .
لقد استنفرت عُمان كل قواها الوطنية في صباح اليوم التالي للإعصار، وجابت مؤسسات الدولة عن بكرة أبيها المناطق المتضررة، والشهادة للتاريخ أنها ملحمة وطنية عظيمة قامت على جناحَي الوطن، وهما مؤسسات الدولة والشعب العظيم اللذين تصديا لتداعيات هذا الإعصار، فكانت محطة تاريخية أعادت التأكيد على اللحمة الوطنية وعلى خصوصية هذا الوطن العزيز .
نعم كانت هناك ملحمة وكل الملاحم في التاريخ لا بُدَّ لها من نتائج ودروس مستخلصة، والخلاصة هنا كانت جوهرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد أثبت الشعب العماني قِيَمَه العُليا التي تتجلَّى وقت الحواسم التاريخية، وهذا رصيد وطني كبير نفخر ونفاخر به ونُسجِّله للتاريخ أيضا، كذلك أعلنت الدولة مسؤوليتها الوطنية من قلب الإعصار وفي أرض الميدان من أجهزة دولة عسكرية ومدنية، وهنا تكمن إشارة مهمة وهي عملية التمازج والشراكة الوطنية التي نأمل أن تكلل بالاعتماد على هذا الشعب العظيم في الملمَّات، ومشاركته في صنع المستقبل مشاركة منهجية دون إفراط أو تفريط، وصياغة المستقبل هنا بمنحه الجزئية التي يستحقها من المشاركة بما يخدم الفكر الوطني، وقد كانت نظرة جلالة السلطان المعظم ـ أعزَّه الله ـ سبَّاقة في هذا المنهاج الوطني بفتح قنوات التواصل مع الشباب، والحوار مع الشباب بما يخدم الحركة الوطنية، ويحقق أغراض الدولة ويساعد في تجاوز العقبات والهموم الوطنية، ولا شك عُمان تُعوِّل على شبابها وجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ رسم المسار وكتب أحد عناوين المرحلة الوطنية القادمة .
لا شك أن ما حدث من هبَّة وطنية بكل تجلِّياتها في معالجة التداعيات التي خلَّفها الإعصار شكَّلت صورة إيجابية، ولكن بقي هناك بعض التحفُّظات على الآلية والاستعداد المسبق لها من خلال رسم الخريطة السكانية وتوزيع المهام بدءا من عملية الاستقصاء والإحصاء والحصر، وانتهاء بكل الخطوات المنهجية لمعالجة مختلف التداعيات التي تتطلب دراسة وافية بعدما هدأت العاصفة، وتشكيل فرق وطنية على كامل الخريطة العمانية، تعلم جيدا دورها الوطني بكل احترافية، كما عرفه جنود مصر في حرب أكتوبر المجيدة، وما أجمل التشبيه بين الحدثين الكبيرين وفي نفس الشهر الذي يحق لنا تسميته شهر الملاحم العربية .
وعودا على بدء هناك نقطة جوهرية أخرى ينبغي الالتفات لها وهي التعاون الوثيق بين مؤسسات الدولة والفرق الخيرية والمتطوعين وتشكيل فرق متطوعة في كل المحافظات، بل وفي كل ولايات السلطنة، ويمكن تفعيل ذلك من خلال الفرق الأهلية بالأندية الرياضية وتحت مظلة إدارية واضحة وهي فرق جاهزة لأي مهمة وطنية، وبات هذا الأمر مُهمًّا وحاسمًا في مواجهة الأزمات، بالاعتماد على المنهجية التي تؤدي إلى تحقيق الانتشار الصحيح العاجل في الوقت المناسب وتنسيق مسبق حيال ذلك وعمل منظم في مواجهة مثل هذه الأزمات .
وأخيرا، نؤكد أهمية الاستفادة من هذه الدروس واستخلاصها وصياغتها بالشكل الذي نقول فعلا استثمرت السلطنة هذه الحالة المدارية وحوَّلتها من مِحنة إلى مِنحة، حفظ الله عُمان وسائر بلادنا العربية والعالم أجمع، والحمد لله رب العالمين .
خميس بن عبيد القطيطي