تؤسس قرارات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) خصوصا ما يتعلق منها بتغليظ العقوبات المنصوص عليها في قرار معالي الفريق المفتش العام للشرطة والجمارك رقم (151/2020) بشأن ضوابط التعامل مع المخالفين لقرارات اللجنة، والقرار رقم (194/2020) بتعديل بعض أحكام القرار السابق، وقرار اللجنة بتاريخ 21 يوليو 2020 بالإغلاق التام بين محافظات السلطنة، ومنع الحركة وإغلاق جميع الأماكن العامة والمحلات التجارية من الساعة السابعة مساء وحتى الساعة السادسة صباحا وتكثيف الدوريات ونقاط السيطرة في الفترة النهارية مع الاستمرار في منع التجمعات بكافة أنواعها، خصوصا صلاة العيد وأسواق العيد التقليدية (الهبطات) وتجمعات المعايدة والاحتفالات الجماعية بالعيد وغيرها في الفترة من 25 يوليو 2020 إلى 8 أغسطس 2020، تؤسس لمرحلة عمل مفصلية حاسمة لقياس مستوى الوعي المجتمعي وكفاءة ممكنات القوة والصمود لديه في التعاطي مع الجهود الوطنية الموجهة للحد من انتشار فيروس كورونا، كنتاج للارتفاع الحاصل في أعداد الإصابات اليومية والوفيات وزيادة عدد الحالات المنومة في المستشفيات وأقسام العناية المركزة، في تأكيد حثيث على أن نهج الضبطية والوعي الذي اتجهت له رؤية العمل في المرحلة السابقة من انتشار الفيروس بحاجة إلى بعد استراتيجي آخر أكثر أهمية وأصدق تأثيرا في نتائجه، يتعلق بحياة الضمير في مواجهة كورونا، والذي ينطلق من مفهوم أعمق لإنسانية الإنسان وقدرتها على رسم معالم التحول وتجسيد قيم الإنسانية الرفيعة وأخلاقها العالية ومبادئها السامية ومنهجها المتوازن في استراتيجية المواجهة المفترضة لفيروس كورونا، وللقناعة بأن ما تظهره مؤشرات الارتفاع في معدلات الإصابة بالفيروس والوفيات إنما هو نتاج للاستهتار وضعف الالتزام وعدم التقيد بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية والاشتراطات المنصوص عليها في بيانات اللجنة العليا المكلفة، والتي وجهت جهات الاختصاص نحو وضع الآليات والإجراءات المحققة للسلامة الشخصية والمجتمعية على حد سواء.
ذلك أن التصاق مبادئ الإنسانية وقيمها وموجهات عملها في سلوك المواطن والمقيم بما تحمله من ضمير مسؤول وحس مواطن ورؤية ورسالة وأهداف واستراتيجية في الأداء الصحيح وخطط مقننة تستوعب كل محطات التغيير ومنصات التطوير الموجهة نحو كورونا؛ هي القادرة على تحقيق معادلة الحل وتجسير هوة التباين الحاصلة بين رغبة الحكومات في أن تقرأ في مواطنيها والقاطنين على أرضها روح المسؤولية والالتزام وحس المواطنة وحياة الضمير، بالشكل الذي يضمن لجهودها التي قامت بها في التعامل مع كورونا النجاح وتجد طريقها في التطبيق، تعصم الفرد من الزلل وتقيه من العثرة، وتجنبه التهور والتسرع والأنانية والأحكام الارتجالية وما نتج عنها من استخفاف بالقواعد والأنظمة واللوائح، وفهم مغلوط لتوجهات العمل الوطنية القادمة الموجهة نحو كورونا، خصوصا في ظل مبدأ العودة الآمنة والتعايش مع كورونا، وحالة عدم الثبات في استراتيجيات التعامل الشخصي مع الواقع نظرا لتزايد حالة اللغط الفكري الدائر حول كورونا وتأثير منصات التواصل الاجتماعي والمعلبات الفكرية الفارغة على قناعات المجتمع وأفكاره حول قوة تأثير هذا المرض أو حجم المخاطر المترتبة عليها وما يثار من تكهنات حول وجوده.
وبالتالي فإن حضور ضمير المواطن والمقيم في مواقع العمل والمسؤولية، واستشعاره لطبيعة التحديات الناتجة عن استمرارية هاجس الارتفاع في الإصابات والوفيات تعبير عن صدق التوجه وحس المسؤولية وإدراك قيمة الإصلاح النابع من إرادة الذات، وهو الرهان الذي تعول عليه الحكومة مسؤولية التعاطي الواعي مع كورونا والحد من انتشاره في أوساط المجتمع، وتحقيق التزام أدوم وانضباط أفضل فيما يتعلق بالتقيد بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية والاشتراطات التي وضعت في التعامل مع الأنشطة الاقتصادية التجارية والصناعية ومواقع العمل بالقطاعين العام والخاص، والدرع الحصين والحصن المنيع الذي يضمن توجيه التفاعلات والخبرات والتجارب والمواقف وأرصدة النجاح المتحققة وغيرها لضمان استيعاب الوضع الناتج عن كورونا، واتخاذ مسارات واضحة تقلل من الاستنزاف في الموارد والضغط الحاصل على الخدمات الصحية وتكاليف العلاج، والهدر في السلوك والتكرار في الممارسة على الرغم من استمرار جهود التوعية والتثقيف وإيجاد التشريعات والبنى المؤسسية والتنظيمية للوصول إلى معايير الالتزام، لما يجسده مفهوم الإنسانية في شخصية الفرد من سمات القوة في التعاطي مع الشدائد والمحن والتكيف معها وتوجيهها لصالح تقدمه وإنجازاته فيصنع منها مرحلة إنتاج جديدة تعيد هيكله الواقع وصياغته وتوفير البدائل والحلول من رحم المشكلة، وعندها يقوى ضمير الوازع لديه وتنهض مساحات الفهم معه وتقوى قدرته على الاستفادة من كل محطات الإنجاز وإضافتها إلى رصيده المتجدد ونقلها إلى كونها منحة لتغيير الحال وتبدل الأوضاع وتحويل المسار، لتصبح قوة داعمة له، ومنصة متجددة في حياته، يتكيف خلالها بشكل سلس مع كل الأحداث، ويقف منها موقف المواجهة الذكية مستفيدا من كل الفرص التي يعيشها في حياته الشخصية وسلم المهارات والقدرات الذي يمتلكه وموظفا للمناح الإيجابي الداعم في البيئة الخارجية والمقومات الخارجية لرسم التفاؤل في مستقبله، مما سيكون له انعكاساته في التجاوب مع التحذيرات، والوقوف على الإحصائيات، وتحليل المؤشرات، والتركيز على تحقيق التغيير الذاتي النابع من إرادة حصيفة وشعور بالمسؤولية، وعندها يرتفع مستوى الوعي لديه ويقل حاجز الجهل والسلبية التي يصبغها على ممارساته، ولذلك فإن المراهنة على مبدأ الإنسانية في التعاطي مع كورونا سوف يقلل من حجم الاستنزاف الحاصل في الموارد وتضييع الجهود، وتقليل فاقد العليات المتكررة، ويصنع حضورا توافقيا نوعيا يستشعر الجميع مسؤوليته، ليتحول كورونا من مسؤولية الدولة إلى المواطن، ومن قرار الدولة إلى قرار داخلي نابع من قناعات المواطن والمقيم، وعندها لن يكون هناك من يتجاوز القانون، أو يمارس القانون ويطبقه عند حضور مؤسسات القانون، أو يضر بأهله ومجتمعه عندما يعلم بأن لديه أعراض فيروس كورونا، أو يخالف التعليمات الصادرة من الجهات المختصة بخروجه من العزل المنزلي، أو يتساهل في لبس الكمامة، أو يصر على الاختلاط والتزاور الاجتماعي بدون احتراز، وسقف التوقعات الذي يضعه أمام في إثبات قدرته على الوصول إلى الهدف المنشود من الإجراءات الأخيرة المغلظة المتخذة من اللجنة العليا في هذه الفترة من الصيف التي تتخللها إجازة العيد الأضحى المبارك.
وعليه، فإن إنسانية المواطن والمقيم في مواجهة كورونا تعبير عن مساحة الأمان التي تمتلك ممكنات صناعة التغيير وإعادة هيكلة واقع التعامل مع كورونا، وتصحيح الممارسات السابقة لضمان الوصول إلى نتائج أكثر فاعلية، وبالتالي إخراج كل الممارسات التي تتنافى ومبدأ الإنسانية في توازنها واعتدالها ونموذجها المضيء، فحالة الاستهتار وعدم التقيد بالتعليمات والخروج من المنزل بدون ضرورة ملحة وتعمد الضرر بالآخرين وحالة التزاحم التي تشهدها الأسواق هذه الأيام، والزيارة لكبار السن والمرضى الذين لديهم أمراض مزمنة، وحالة التزاور والاختلاط التي كانت أكثر مسببات الارتفاع في أعداد الإصابات والوفيات، كل ذلك وغيره ضرب من الانتحار ومدخل للضرر بالنفس والآخر، وانحسار للنزاهة والبعد عن الشبهات التي يجب أن تعكس ملامح إنسانية التعامل مع كورونا، فيصنع التزاما ذاتيا ودافعا شخصيا وقوة في المواجهة وصبرا على تحمل تبعات هذا الواقع وامتلاك عزيمة الإرادة والصبر حتى انجلاء الغمة والمزيد من الحكمة والتريث في الحكم على الأشياء أو تفسيرها بما يعزز من الاستقرار النفسي ويخفض من ارتفاع درجة القلق الحاصلة، هذا الأمر من شأنه أن يقوّي عزيمته على مواصلة الجهد واستفراغ الوسع في التعامل مع الواقع الذي فرضته جائحة كورونا بكل مضاء ومسؤولية ودون توانٍ أو خمول، بل يشمر عن ساعد الجد، ويرفع من معنويات الأداء لديه، ويستفيد من فرص النجاح المتحققة، إنه بذلك يصل إلى استحقاقات التكريم التي تصنع للإنسانية مساحة أمان قادمة في امتلاك زمام السيطرة وقيادة التحكم وإدارته الفاعلة للحالة وقراءته للأحداث وسبر أعماقها، فلا يجعل للأفكار الدخيلة أو ممارسات الآخرين سبيلا عليه في انخفاض دافع مواصلة جهود المواجهة لديه، واستشعار مبدأ الإنسانية في فقه المواطن وإدراكه لما عليه من حقوق وواجبات ومسؤوليات أو يحمله من مبادئ وأخلاقيات، مدخل لاستشعار الإنسانية في طبيعة الجهود التي تقدم له، والسياسات والخطط التي ترسم طريقه القادم، وموقعه في هذه الأزمة من حيث توجيه القرار لصالح أمنه واستقراره ويستهدف المحافظة على حقوقه وإنسانيته وأمنه واستقراره وصحته.
وتبقى الإشارة إلى أن المحافظة على المكاسب الوطنية المتحققة في الأشهر السابقة على مستوى الجاهزية والأداء والتنفيذ والخطط والبرامج والتوعية والضبطية وغيرها، بحاجة إلى ضمير الإنسان الذي يصنع له حضورا في جهود التعامل مع كورونا، وهنا تأتي قيمة التربية على الإنسانية في حياة المجتمعات والتنشئة الأخلاقية وتعزيز الأبعاد القيمية والهويات في صناعة التغيير وخلق فرص النجاح والابتكارية في الممارسة وتجديد مساحة الالتزام بشكل يحفظ للمجتمع خصوصيته وتنافسيته وتفرده في كفاءة التعامل مع هذا الوضع، ويبقى التميز فيما أنتجته مدرسة كورونا في بناء الإنسان الواعي الفاعل في محيطة والقادر على تحقيق تحولات نوعية على الأرض، في الاستجابة للتعليمات والتقيد بالإجراءات التي هي التعبير الأصيل والتجسيد الصحيح لفقه المواطنة وإنسانية الإنسان ومستوى الوعي الذي وصل إليه المجتمع، وبقدر ما تحققت صفة الإنسانية في مجتمع من المجتمعات بقدر ما ظهرت أسباب تفوقه ونجاحه وقدرته على مواجهة الأزمات وإدارتها والتعامل مع تأثيراتها بكل مهنية واحترافية والتزام محددات الوعي وحسن التصرف، وإذكاء روح المبادرة، وتعميق سلوك الفهم عبر ترسيخ عادات صحية وسلوكية سليمة تحرص على إبقاء المسؤولية في مواجهة كورونا، وفرص الجاهزية تستوعب التغيير المتسارع، وتتفاعل مع إرادة الدولة في التعامل مع فيروس كورونا. إن الإنسانية الطريق الذي يستطيع العالم أن يواجه به هذه الجوائح والتحديات، ويمتلك خلاله الريادة والقوة والتميز على غيره من المجتمعات، فإن ما تحمله الإنسانية من إرادة التغيير وحس المسؤولية ونافذة الأمل وقوة الضمير والإخلاص والعمل الجاد والبحث والابتكار وترقية الممارسة والذوق العالي، هي الكفيلة بوضع حد لحالة الاستهتار التي يعيشها البعض متناسيا وجود كورونا في واقعه وإحاطته به، ويقع على قطاعات الدولة مسؤولية تأصيل البناء الفكري الرصين لصناعة المواطن الإنسان النموذج الذي يتصالح مع نفسه والآخرين ويبني من خلالهم مشتركات النجاح، يحترم رأي الآخرين ويقف على مسؤولياته ويصنع الابتكار بممارساته وينتج للحياة بدائل الحل وسيناريوهات العمل، وتعميق البعد الأخلاقي والقيمي والمهاري وصناعة القدوات وإنتاج قوة الشخصية والبناء الفكري الرصين وترقية الروح المعنوية الدافعة للإنسان نحو العمل الجاد المخلص في التعاطي مع مستجدات المرض.
من هنا تأتي أهمية توظيف خيوط التأثير التي تمكّن المواطن من الدخول في مختبرات التجريب للأفكار وإدارة الأزمات وبناء الموجهات التشريعية والقانونية والرقابية والضبطية، وتعميق برامج المتابعة والمراجعة والتصحيح للمسار عبر تفعيل دور النقد البناء والتعايش مع الصدمات والتعامل مع الظروف الصعبة والعيش فيها، باعتبارها منطلقات تؤهله لمواجهة رياح التغيير العاتية والمصطلحات التي باتت تقرأ الوطن بثمن بخس وبلغة الربح والمساومة عليه في مزايدات دنيئة عبر منصات التواصل الاجتماعي والشاشات الفضائية المغرضة والمحسوبة، لتنتزع قدسية الأوطان من أفكار المواطنين وقناعاتهم وتشوّه صورتها أمام ناظريهم، ومع التـأكيد على أن ثقافة الإنسانية تشكل بدورها مقياس النجاح في تحقيق الالتزام بشكله الصحيح بما يضمن قدرة الإنجاز على بلوغ غاياته وتحقيق أهدافه القيمة للبناء الإنساني الداخلي المعزز للتصالح الذاتي والتعايش مع الآخر وتقوية الرصيد القيمي والأخلاقي للفرد، لتضيف البنى التشريعية والقواعد الأخلاقية والعقوبات والحوكمة والنزاهة والمحاسبية والمساءلة والتقيد الذاتي والتشخيص السليم بعدا تأصيليا يحفظ كفاءة البناء الذاتي، وإعداد المواطن وتأهيله وتهيئته في التعامل مع مختلف المواقف والظروف، والالتزام بالتعليمات الصادرة من اللجنة العليا المكلفة وترسيخ قيمته في المجتمع، فإن قدرة معادلة ضمير الإنسانية على امتلاك ناصية الإنجاز والتفوق والاستدامة والثبات، يستدعي يقظة في التشريعات وعصرنتها، ومرونة في الأدوات وتجدُّدِها، وقدرتها على إدارة مرحلة العمل الوطني الموجهة نحو مواجهة كورونا بكل الطرق والوسائل وتكريس الجهود النوعية المبتكرة في التعامل مع مستجدات كورونا ومعطياته، وفق نُهُج الشراكة والثقة والمسؤولية والالتزام والوعي.
أخيرا، فإن هذه الفترة المحددة في قرار اللجنة العليا والتي تصل إلى أربعة عشر يوما، كفيلة بإصلاح الخلل والوقوف على عمق التحدي، وتمكين رقابة الضمير وإنعاش الضمائر الميتة من استهتارها في ظل ما تعايشه في فترة الإغلاق والمنع من هواجس ومشاعر الرغبة في زوال الجائحة والتسريع في مواجهتها، والحرص على الخروج من هذه الأزمة بأقل التكاليف، لتكون هذه المحطة رغم قساوتها مرحلة الختام بإذن الله، عندنا إنها بحق مرحلة مفصلية يجب أن يستشعر فيها الجميع قيمة الحس المسؤول كأفضل الطرق في استدامة التغيير الذاتي، وعندما تقوى رقابة الضمير وتتفوق ثقافة الشعور الوطني بما يقدمه الوطن من أجل أبنائه، وتنمو ثقافة النصح والتوجيه والإرشاد بينهم، والأخذ بيد الآخر وضبط السلوك المؤسسي والالتزام بما وضعته الدولة من اشتراطات وما أقرته من توجهات، عندها تنمو في فقه المجتمع فضيلة التعافي باعتبارها غاية يجب أن تدرك وأولوية يجب أن تتحقق، وتصبح حالات الاستهتار والتجاوزات الحاصلة من قبل البعض من مواطنين ومقيمين انتحارا إراديا يعبر عن موت الضمير وقسوة القلب وإغلاق قنوات السمع والاستماع الذي قد يؤدي إلى وضع كارثي قادم على مختلف مستويات الأداء الوطني وخطوط العمل الموجهة في التعامل مع كورونا، وعجز أو شلل في القطاع الصحي والعناية المركزة، إن لم يتم تدارك الأمر وتنتبه الضمائر الحية وتفيق الأخرى الميتة لما يحصده الاستهتار الحاصل من ارتفاع مقلق في معدلات الإصابات والوفيات لتتخطى حدود المقبول وتتجاوز الخط الأحمر. فهل سيكون هذا الدرس الأخير لنا نثبت نجاحنا فيه، ونترك بصمة إنجاز ستكون شاهد إثبات لما وصلنا إليه من وعي حضاري يقرأ في إنسانية كورونا منصة لصحوة ضمير البشر وإعادة الحياة لضمائرهم الميتة؟
د. رجب بن علي العويسي