ليس هناك ابشع من اغتصاب الأرض والممتلكات والوطن إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية …
وليس هناك أقسى من التهجير-الترانسفير- القسري من الوطن إلا محاولات تهجير وشطب الوطن من الذاكرة والحلم…
وليس هناك اشد من الصراع على الأرض …إلا الصراع على المفاهيم والذكرى والذاكرة…
فالحفاظ على الذاكرة الوطنية الجمعية انما هو سلاح التدمير الشامل في مواجهة هجومهم الاستراتيجي الرامي الى شطب القضية والهوية والذاكرة الوطنية….!
الراحل محمود درويش كرس إبداعاته الاستثنائية في الدفاع عن قضية وطن مغتصب ومهود وعن شعب مذبوح ومشرد ، وعن عدالة قضية هي الاكثر عدالة في تاريخ الامم المتحدة…
كما حرص درويش في شعره ونثره على فضح جرائم وعنصرية ابشع دولة تمارس العنصرية –الابرتهايدية- على وجه الكرة الارضية ، واخطر دولة تقترف جرائم الحرب على امتداد العالم…
حمل درويش فلسطين في وجدانه وعقله وشعره، كما حملته جماهير فلسطين في قلبها وجراحها وآلامها..
فزرع في الذاكرة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية ذكرى النكبة وجريمة ومجزرة القرن…
فقام درويش بدور المثقف الحر في صناعة الرأي العام العالمي وراء قضيته، وفي تحشيد الجماهير الفلسطينية والعربية خلف الهموم والقضايا الكبيرة للوطن والأمة…
وانتج وعمم وزرع كما عظيما من العطاء الشعري الممتد لأكثر من نصف قرن…
وامتد إرث درويش الشاعر والإنسان، ليشع في فضاءات الادب والشعر العربية والاممية …
فترجمت دواوينه وكتبه العديدة الى 22 لغة ، فتنقل شاعر فلسطين بين الوطنية والقومية والإنسانية بسلاسة وانفتاح عالمي ملموس …
ما تم ترجمته بذلك الكم الهائل من الجوائز التي حصدها على امتداد الساحة العالمية…
فشكل درويش:”مشروعاً ثقافياً متكاملاً، وخزاناً رائعاً للتراث، وذاكرة أصيلة للشعب، ومستودع الآلام والآمال، ومنارة للسفن التائهة، ووقوداً لنضال شعب لا يعرف التعب”.
كان درويش قد كتب مطولته “جدارية”التي يقول فيها: “هزمتك يا موت، الفنون الجميلة جميعها، هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين، مسلة المصري، مقبرة الفراعنة، النقوش على حجارة معبد.. هزمتك.. وأنت انتصرت”.
وحين غادر فلسطين قال: “لم أعد قادراً على تحمل البقاء، ولكني احيي كل الصامدين هناك”.
فطار الى هناك حيث اختتم في التاسع من آب/2008 محادثاته الماراثونية مع الموت…
فترجل عاشق فلسطين- الوطن والشعب والقضية …
وقد هزم الموت رغم موته…
فارثه باق ما دامت الحياة وما دامت فلسطين ” هزمتك يا موت الفنون جميعها”..
و” نحب الحياة إذا ما استطعنا اليها سبيلا “.
فطوبى لك فقيد الشعب والقضية …
وطوبى لملحمتك الفلسطينية بحجم الوطن والتاريخ…
نواف الزرو