ما زال هناك عنصر مفقود في بيئة عمل المواطن العُماني في القطاع الخاص، فلا يكفي أن يكون هناك تشجيع للعُماني بأن يعمل في القطاع الخاص ما لم يتم توفير أرضية متكاملة وشاملة له تبدأ من التعليم والتدريب والتأهيل والتحفيز والرعاية وضمان حقوقه كاملة أثناء العمل أو في حال خلاف بينه وبين صاحب العمل وحتى بعد تقاعده من العمل، فالجهات المُختصة غطت وتحاول تغطية جميع جوانب المنظومة، ولكن العنصر المفقود حتى الآن كان وجود تأمين مالي يُغطي فترة تعطل المواطن في حال وجود خلاف قانوني وعُمالي بينه وبين صاحب العمل أثناء فترة التقاضي تُغطي وتؤمن مصاريفه المعيشية المُعتادة.
بتاريخ ٣ مارس ٢٠٢٠م، وجه مولانا السلطان هيثم بن طارق -نصره الله وأيده- بإنشاء صندوق الأمان الوظيفي، ودعمه بمبلغ ١٠ ملايين ريال عُماني ليكون بذرة مالية تأسيسية وتحفيزية لهذه المبادرة التكافلية الهادفة، ووجه جلالته بعمل اللوائح المنظمة له، هذا في حد ذاته منطلق تحفيزي لسرعة إنجاز هذا المشروع الاستراتيجي الهام، ومن ضمن المحفزات الأخرى أن هذه المبادرة هي نوع من أنواع التكافل الاجتماعي الممنهج الذي أوصى به ديننا الحنيف، بالإضافة إلى أنَّ السلطنة سعت لتشجيع المُواطن على العمل في القطاع الخاص منذ بدايات التسعينات من القرن الماضي، لذلك لابد لها من تغطية عناصر المنظومة إن أرادت نجاح هذه المبادرة الوطنية السامية، وأخيرًا مبدأ توفير الحياة الكريمة للمواطن حتى في حال تعطله عن العمل لسبب أو لآخر.
ولمزيد من الشرح حول نقطة: ماذا سوف يحقق الصندوق من فوائد؟، يتوقع -يبقى توقعاً شخصياً- من صندوق أو نظام الأمان الوظيفي أن يُحقق أهداف ميدانية متعددة ومتنوعة، أولا: هدفا اقتصاديا، ففي حال وجود تأمين أو تعويض مالي للمُتعطل عن العمل لسبب أو لآخر، فإنَّ عجلة الاقتصاد الكلي مستمرة Economic Cycle ولن يتوقف المتعطل عن مُمارسة حياته بشكل طبيعي، وسوف يتمكن من قضاء حاجاته ودفع التزاماته المالية كاملة أو نسبة كبيرة منها، وكأنه ما زال على رأس عمله، وهذا الهدف مرتبط بالهدف الاجتماعي، لذلك لن يتأثر مالياً أو نفسيا سواء هو أو عائلته أثناء فترة التقاضي بينه وبين جهة عمله، كما أنَّ الصندوق سيحقق أهدافًا تنموية عديدة، خاصة وأنَّ هذا الصندوق سيضمن استدامة تكافلية، وسيظهر ذلك جلياً من حيث آليات تمويلية شهرية، والتي سيتكفل بها صاحب العمل بنسبة معينة والموظف بنسبة معينة ولبعض المؤسسات التجارية أو المدنية أو الأفراد الراغبين في تقوية الصندوق، وظهر ذلك في بعض المبادرات كدعم غرفة تجارة وصناعة عمان ودعم المؤسسة التنموية للشركة العُمانية للغاز المسال، ومن الممكن مرونته وديناميكيته بأن يشمل فئة الباحثين عن العمل في مراحله المستقبلية وبشروط معينة، ومن الأهداف التي يجب علينا التركيز عليها أو ألا نغفل عنها وهو الهدف الاستثماري، فكما هو معلوم أنَّ كل صندوق لابد له ألا يعتمد على مصدر تمويلي وحيد، لذلك من المتوقع أن ينضم هذا الصندوق إلى منظومة الصناديق الاستثمارية التي تدعم البيئة الاستثمارية في السلطنة وتساهم في نموها، ولو بعد حين، وبجزء من المدخرات المالية وبناء على الأسس والمعايير المتعارف عليها مالياً واستثمارياً وتوصيات لجنة الاستثمار التابعة للصندوق.
من المتوقع أن يتم الإعلان عن هذا الصندوق أو النظام قريباً بإذن الله، ولكن إلى ذلك الحين لابد للجهات المختصة أن توعي الفئة المستهدفة من أصحاب الأعمال وموظفي القطاع الخاص لأهمية الصندوق من جميع جوانبه، والإجابة على كل أسئلتهم التي قد تخطر في بالهم، وإزالة المغالطات السلبية أو الهواجس التي قد تعلق في أذهان البعض والتي من الضروري مسحها من أذهانهم، والتهيئة المجتمعية اللازمة والتي تهدف إلى كسب دعمهم وتأييدهم لمثل هذه المبادرات الوطنية التكافلية الهادفة، والمهم أن تكون مكونات الحملة الإعلامية حاضرة أثناء تدشين المبادرة ميدانياً لكي لا يكون هناك مجال وثغرات للتأويل وإطلاق الحملات والشائعات المحبطة، واستبدال كل ما هو سلبي إلى لغة حوار راقية ومثمرة لجميع أطراف العلاقة من موظف وصاحب عمل ومُجتمع.
خلفان الطوقي