الأرض أو المسكن، ضرورة من ضرورات الحياة، وهي مطلب مُلح لكل إنسان، وفي عصرنا هذا باتت الأرض أو المسكن من أكثر المطالب احتياجاً لكل مواطن أنهى تعليمه الدراسي والتحق بسوق العمل.
وكل شاب في مقتبل حياته العملية، يسعى إلى بناء مستقبله من خلال الوظيفة التي يحصل عليها، ثم بناء أسرته التي يختار فيها شريكة حياته، ومن ثم اختيار منزله الذي سيقطن فيه طيلة عمره، وهنا لم تعد البيوت العُمانية كما السابق تستوعب كافة الأبناء، ولذا يلجأ كل شاب إلى الاستقلال بمنزل خاص به. والحكومة الرشيدة مشكورة انتهجت- وما تزال- نهجًا طيباً خلال العقود الماضية من مسيرة النهضة، حيث تمنح كل مواطن أو مواطنة قطعة أرض لبناء مسكنه، وهو البرنامج الإسكاني الذي استفاد منه جموع أبناء الشعب على مدى العقود والسنوات الماضية، لكن علينا أيضاً أن نفكر في الأجيال القادمة، وحقوقها من الموارد الطبيعية للدولة، فضلاً عن الحق في المسكن.
ولقد شهد نظام توزيع الأراضي العديد من السلبيات، منها تأخر استلام المُتقدم بطلب الحصول على أرض لمدد تصل إلى 8 سنوات، فهل يمكن أن نتوقع انتظار شاب مدة 8 سنوات للحصول على قطعة أرض يبني عليها بيته؟! فيضطر هذا الشاب إلى استئجار منزل أو بناء منزل مؤقت لحين الحصول على الأرض، وقد يجد نفسه حصل على قطعة أرض في منطقة لا خدمات فيها، أو لم يتم تنفيذ المخطط الكامل لها. فضلاً عن إشكاليات أخرى تتعلق بآلية توزيع الأراضي على المستحقين، وخاصة الأراضي الواقعة بالقرب من شارع عام أو طريق حيوي أو تجاري، والأمر لم يخلو من “الواسطة” والمحسوبية في أحيان عدة.
وأحد أبرز سلبيات منح الأراضي، أنَّ الأراضي الصالحة للبناء آخذة في النقصان، ومن ثم تزيد الأعباء على الشاب الذي يحصل على قطعة أرضة في منطقة جبلية، فكيف يبني فيها بيته دون عمليات تكسير مكلفة؟!
من هنا فإنني أرى أنَّه من المناسب جدًا، أن تقوم وزارة الإسكان بتغيير خطتها المعتادة بمنح الأراضي، وذلك من خلال طريقتين، الأولى أن تقوم الحكومة ببناء مجمعات سكنية مُتكاملة الخدمات، يحصل فيها كل مواطن على شقة مناسبة من حيث مساحتها وخصوصيتها، فالجميع يعرف أننا كعمانيين لدينا خصوصية شديدة فيما يتعلق ببناء المساكن، لكن من المؤكد أنَّ الخبرات الهندسية في بلادنا قد ابتكرت تصاميم معمارية تراعي الخصوصية العمانية. وفائدة هذه المجمعات المتكاملة عظيمة للغاية، حيث ستسهم في ضخ دماء جديدة في قطاع المقاولات الذي يعاني الآن من أزمات كبيرة، فضلاً عن أنها ستساعد المواطن على دفع قيمة الشقة المؤثثة أو الجاهزة على دفعة واحدة، وكذلك إذا تطلب الأمر منه الحصول على قرض سكني سيكون دفعه من خلال قناة مصرفية واحدة، وهنا المجال واسع لمشاركة بنوك غير بنك الإسكان في تقديم هذه القروض بفائدة مُيسرة لا تتعدى 2%.
أما الحل الثاني، وهو سهل للغاية، وسيخدم أيضاً مواطنين آخرين، ويتمثل في شراء الحكومة للوحدات السكنية التي تم بناؤها في أحياء ومناطق عدة بالولايات والمحافظات، لكنها الآن خاوية لا يقطنها أي فرد أو عائلة، بعدما تراجعت أعداد المُقيمين الذين كانوا يقطنون هذه الوحدات، أو لأنَّ توقعات السوق العقاري كانت تصب في صالح زيادة أعداد الراغبين في السكن في هذه الوحدات من المقيمين، لكن ظروف كورونا وغيرها لم تساعد في تحقيق هذه التوقعات، فهناك عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الشاغرة والتي لا تجد من يقطنها.. فما الذي يمنع أن تشتري الحكومة هذه الوحدات، وهي عملية سهلة بعيدة عن تكليف مكتب استشاري ومقاولين وعمليات تسلم وتسليم طويلة، بينما بين أيدينا وحدات سكنية جاهزة وبأعلى معايير الجودة وأرقى التصاميم الحديثة، والتي تراعي أيضاً الخصوصية… فماذا ننتظر؟!
علي بن بدر البوسعيدي