من المعروف أن الاستراتيجية هي كيفية ابتكار خطة عمل واستخدامها لتحقيق هدف معين ومحدد، فالاسم العلمي لها “علم التخطيط”، فهي تكون سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية، وفي عُرف الدول، هي جميعهم، وبذلك تكون العمود الأساسي لبناء أي دولة وتقدمها، وبدونها، لا يمكن لأي بلد في العالم الوصول أبعد من أسوار دولته دونما تخطيط، دونما إغفال الأطماع بمقدرات الدول الأخرى التي أضحت الشغل الشاغل للطامعين والمستعمرين خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
سُبل الاستراتيجية
كما أشرنا أن الاستراتيجية هي علم التخطيط، وغالباً ما يعبّر هذا المعنى عن التخطيط الهادف لبناء صحي وطبيعي للدول، لكن كلما تقدمت الحياة وتطورت، كلما تغيرت الأدوات والاستراتيجيات وأوكلت لفرق متخصصة تقوم بأداء دور التخطيط وتقديمه للرئيس أو السلطة العليا، ومن ثم تبدأ مرحلة التنفيذ، فهناك الاستراتيجية الناعمة، وبتقديري وبحسب التطورات الأخيرة التي شهدها العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط هي من أخطر الاستراتيجيات، لأن العمل يتم على مراحل، عبر وضع عدد من المخطط في حال فشل بعضها، وبالتالي تتطور وتقدم الأدوات بعد بلوغ ونجاح كل مرحلة على حدى، فهي تكون استراتيجية هادفة على المديات كلها، على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ولتحقيق هذه الغاية نلاحظ أن لكل دولة فريق معني بتحديد معالم استراتيجية هذه البلد ووضع معالم الإنجازات والمهام والخطوات الواجب تنفيذيها في إطار زمني محدد، فبعد أن يتم تحديد المسار، تركز الإدارة السياسية لأي بلد كان على الهدف المنشود حتى تحقيقه، والخطة الاستراتيجية تهدف إلى إدارة مخاطر العمل وتقليلها، والذي بدوره يسهل تحليل المخاطر المحتملة، وينفذ التدابير اللازمة للسيطرة على هذه المخاطر، وينظر في أساليب التقليل منها في حال حدوثها، وتختلف الأهداف هذه من سياسة لأخرى ومن استراتيجية لأخرى، فقد لا يتحقق الهدف إلا باتباع أسلوب هجومي لاحتلال أراضي الغير أو فرض شروط معينة عليه أو باتباع أسلوب دفاعي لحماية أرض الوطن ومصالح وقيم الأمة على سبيل المثال، وقد يكون الهدف سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو معنوياً وقد يكون صغيراً محدوداً كاحتلال جزء من أرض دولة ما أو حتى التواجد في دولة ما تحت ذرائع مبطنة لكن الهدف تحقيق المصلحة الأساسية لهذه الدولة على حساب البلد الي تتواجد فيه، وربما يكون كبيراً كالقضاء على كيان تلك الدولة نهائياً.
إدارة الأزمات
من المؤكد أن التحصيل العلمي لأي منصب هو في المقام الأول، لكن هناك أمور أخرى لها مكانة كبيرة يجب ان تتمتع برجالات تخطيط أي دولة، على سبيل المثال وزراء خارجية الدول، الذين يتسمون في غالبيتهم بالحنكة والدبلوماسية العالية، فعند اختيار وزير الخارجية يجب أن يكون مرتبطاً بإمكانياته التفاوضية ومدى قدرته على إدارة الأزمات وحل المشاكل، وهو ما يعني ضرورة توفره على نظرة دقيقة وصارمة تجاه العالم يسعى من خلالها إلى التوفيق بين اهداف بلده من جهة وبين الوسائل المتاحة لتحقيقها من جهة أخرى. وبالطبع ليس هناك مجال في الدبلوماسية الناجحة للعقول المتشددة التي تفتقد إلى المرونة في العلاقات الدولية والتعامل بذكاء مع التناقضات التي تفرض نفسها في العلاقات بين الدول. وهنا تبرز أيضاً القدرة على رصد الفرص المحتملة واستشعار الصفقات الممكنة واستغلالها “إذا هبت رياحك فاغتنمها”، وهي أمور كلها لها صلة بطبيعة الشخص أكثر منها بالمهارات المكتسبة.
كذلك الأمر، يجب ان يتحلى وزراء الخارجية بالدهاء والصرامة، بحيث يتحول وزراء الخارجية إلى لاعبين أكفاء في التعامل مع الأصدقاء والخصوم. وفي هذا الإطار تصبح الخديعة ضرورية أحياناً، بالإضافة إلى المناورة الدائمة والمستمرة والسعي إلى استخدام جميع الوسائل من حوافز وضغوط وغيرها لبلوغ الأهداف الوطنية للدولة “هنري كسينجر” على سبيل المثال لا الحصر في كل المحافل الدولية.
الاستراتيجيات قديماً
إذا ما عدنا إلى التاريخ، نجد أن أنظمة الحكم لم تكن عبارة عن دول صغيرة، بل كان العالم محكوماً من قبل إمبراطوريات عظمى، حتى قبل الإسلام، وما بعده، الإمبراطورية الروسية والخلافة العثمانية والفارسية وغيرهم الكثير، وبمتابعة حروب تلك الحقبة، نجد شخصية مقربة من البلاط الملكي لها اليد الطولى في التخطيط ووضع الأهداف، لا بل ربما يكون مقرر سبب إشعال الحرب أو إخمادها، أو توسع هذه الإمبراطورية إلى خارج الأسوار، لكن ما يعنينا هنا المئة عام الأخيرة وتغير الخارطة السياسية على مستوى العالم، وتطور الأدوات واستخدام أساليب لا يمكن أن تخطر على بال أحد، ومنها زرع الجواسيس إن كان للمثال مكاناً “لورنس العرب”.
ومع انتهاء الحرب الباردة ومآلاتها وتطوراتها وانقسام العالم وتفكك الاتحاد السوفييتي، برزت الأطماع تتجه نحو الدول الغنية، والمقام لا يتسع للشروحات الطويلة عما جرى ويجري في أفريقيا، وما يحدث في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، وزرع الكيان الصهيوني وتطورات التطبيع، لكن لنعود بالذاكرة إلى هذه الدول قبل حدوث ما حدث فيها، وكيف خرجت مخططات تمت تسميتها “بناء الأمن والسلام” لكنها لم تجلب إلا الويلات والدمار، ولهذه الغاية أنشئت معاهد الدراسات واللجان والهيئات المتخصصة التي كان دورها تقديم الآراء والمقترحات حول أوضاع العالم للبلد المخطِط، فمثلاً يمكن ملاحظة دور “اليهود” البارز في التعاطف مع اليمين الإسرائيلي المعادي للعرب والمسلمين، كل ذلك كما أشرت نما وتطور بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وأيضاً القدس المحتلة، مدينة مقدسة للعالمين العربي والإسلامي، وقرارات مجلس الأمن أكدت على أنها مدينة عربية وعلى عدم شرعية احتلالها من قبل الكيان الصهيوني، لكننا نجد أن الولايات المتحدة تلتزم بالموقف “الإسرائيلي” الرافض لأي نقاش بخصوص مدينة القدس.
ولم ينسَ أحد بعد كيف حشدت واشنطن قواتها وضربت العراق ودمرت بنيته العسكرية والاقتصادية بذريعة امتلاكه أسلحة كيميائية وبيولوجية، لكنها تصمت صمت القبور أمام ترسانة الكيان الصهيوني، هذا الكلام ليس حديث العهد بل يعود إلى عقودٍ خلت حتى قبل الغزو الأمريكي للعراق، وحرب الخليج في التسعينيات، كله كان مخططاً له مع شديد الأسف، وبهدف تحسين الطبيعة الاستراتيجية لنهج الولايات المتحدة، كان هناك تخطيط ممنهج للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، لقد كان وجوده عائقاً كبيراً في مشروع واشنطن، فمنذ العام 1992 رفعت لجنة الأمم المتحدة العاملة في العراق تقريراً مفاده أن بغداد لم تتوقف عن القيام بإصلاح قدرتها في التسليح الصاروخي الباليستي إلى جانب أسلحة التدمير الشامل، فكان لا بد من إزاحة هذا الرجل لما له من خطر على المخطط الغربي في المنطقة وإضعاف العراق وإنهاكه، لأنه يشكل قاعدة اقتصادية معقدة وموقع جغرافي حاسم، فهو يتوسط الطرق المؤدية إلى الخليج ومنطقة بحر قزوين بما فيهما من مصادر طاقة مهمة، فالبديل عن صدام حسن كان تقسيم العراق.
ولا نغفل أن أطول حروب القرن العشرين هي حرب الثمان سنوات بين بغداد وطهران، (1980 – 1988)، اندلعت الحرب لعدة أسباب على رأسها ما ذكرته إيران حول تصدير الثورة واشتداد الخلاف مع العراق حول ترسيم الحدود خاصة في منطقة شط العرب المطلة على الخليج العربي الغني بالنفط بالإضافة إلى الاشتباكات العسكرية المتقطعة بين البلدين، فبعد قيام الثورة الإيرانية العام 1979، كان نظام البعث في العراق يستشعر هذا الخطر بشكلٍ حاد نظرا للوجود الشيعي القديم في البلاد، وفي المقابل، كانت إيران ترصد بتوجس وصول صدام حسين للسلطة في العراق عام 1979 خلفاً للرئيس أحمد حسن البكر، ومع انتهاء الحرب وخسارة الطرفين الاقتصادية والبشرية، لا يزال للماضي تبعات، مهما تم تجميل الواقع الحالي، السياسة لا تعرف المهادنة ولا تعرف الاعتراف بالحقائق، فهي لعبة المصالح التي نمت وتطورت بعدها أخذ رد فعل انتقامي، وبعضها الآخر أخذ شكل الأطماع التوسعية والسيطرة على مقدرات الدول الأخرى كما في الحالة العراقية، والتي هي بدون أدنى شك ترتبط بشكل مباشر بكل ملفات المنطقة، وبعض الخلافات هي ذو بًعد تاريخي، ديني، طائفي في آن واحد.
العراق يمثل الجسر الذي تمر عبره إيران إلى أقطار الخليج العربي، إذ ان بعض الدول في تعاملها مع العراق خاصة بعض دول الإقليم تركن إلى إستراتيجية القضم والتراكم في عملها الاستخباراتي، فهي تكتفي في المراحل الأولى بأدنى النجاحات، أو اللانجاح على الإطلاق، وتعتبر مجرد الإيحاء بوجودها مكسبا في هذه الحالة، ثم تعمد إلى تراكم النتائج التي تعظمها بالمزايا المادية والمعنوية. وأصبحت المصالح يحكمها تزاوج بين العقيدة الدينية، والمشروع القومي لفرض الهيمنة، عبر إضعاف الضعيف وتقسيم المقسم وتمزيق الممزق، لا لأحد مصلحة في نهوض العراق، طالما هو مصدر ربح للكثير من المتدخلين فيه، فنهوضه يعني تراجع لتلك الاستراتيجيات وهذا ما لا يمكن له أن يحدث على الإطلاق.
فمثلاً إن الأزمة السورية فتحت أعين الطامعين فيها، لكن المقارنة بينها وبين العراق ليس عادلاً خاصة لجهة الثروات، لكن جهة النفوذ الخارجي فيهما يتقاطعان معاً باشتراك أكثر من دولة وفي أكثر من جانب بينهما، هذا يأخذنا إلى مدراء المعتقلات ومسؤولي التعذيب في العراق، والعبث الديموغرافي في أكثر من مدينة وبقعة جغرافية، ناهيك عما يمكن تسميته بالبعثات التبشيرية لنشر أفكار معينة، وتهجير السكان من طوائف معينة، كل هذه العوامل لا علاقة للدين بها ولا علاقة للمذاهب بها، لا من بعيد ولا من قريب، بل هي تثبيت موطئ قدم للآخر على حساب أهل الأرض، كما العراق وكما الصومال وكما مالي وكما سوريا، كلما وجدت مراكز ثقافية في ظروف عسكرية، كلما اقتنعت بأن الدين مجرد ستار لتحقيق أهداف خفية، وإلا لما استطاعت الولايات المتحدة ومحورها اختراق كل هذه الدول العربية معاً.
إن تشديد الضغط على إيران من جانب الولايات المتحدة أمر واضح للعيان، وعلناً تقول واشنطن عن طهران إنها تشكل تهديداً لمصالح أمريكا في المنطقة، لذلك نجد أن الولايات المتحدة صبّت جهداً كبيراً لكبح هذا التهديد لعل أشدها فرض العقوبات الشديدة عليها، وذلك لعمل تغييرات جوهرية في سلوك الإيران حسب زعم الأمريكيين، في أمور محددة مثل قطع جميع أنواع الدعم لحزب الله في لبنان والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، يقابل ذلك، أن إيران انتهجت أسلوبها الخاص في اتباع استراتيجية “التشيّع السياسي”، أي استخدام الدين لتحقيق النجاحات السياسية، من باب الولاءات الشيعية، خاصة في العراق ومنطقة الخليج، لذلك لا بد من توضيح فكرة التواجد الشيعي للإخوة الشيعة في منطقة الخليج، وتحامل الأجهزة الإعلامية الخليجية على شيعة المنطقة، ما يسمّى “التشيع السياسي” على أهل المنطقة جديد من نوعه، بدأ عام 1979، مع استحداث ولاية الفقيه، إذ قبل هذا التاريخ لم يكن ذلك موجوداً أو حتى مطروحاً في الفكر الشيعي، ففي شبه الجزيرة العربية، في البحرين والكويت والقطيف والمنطقة الشرقية في السعودية وغيرهم من المناطق، تجد هناك فرقة شيعية تسمى “الشيخية”، يتبعون الشيخ الأوحد “أحمد الإحسائي” والآن يسمّون “الإحقاقية”، هؤلاء وغيرهم لا علاقة لهم على سبيل المثال بولاية الفقيه، وأغلب شيعة الخليج لا علاقة لهم بهذا التوجه، فهناك الشيرازية وكما ذكرت الشيخية وغيرهما، حتى في العراق هناك تشيع عربي، ومرجعيات عربية مثل سعيد الحكيم وبشير النجفي ومحمد حسين فضل الله وكمال الحيدري وغيرهم مع حفظ الألقاب، وبالتالي “التشيع السياسي” لا ينطبق على الجميع، ورغم ذلك تجد كل جمهور يجند الإعلام ومكاتب وقنوات إعلامية من الفريقين محولين الوضع وكأنه ساحة حرب لإثبات من فيهما على حق أكثر من الآخر.
وبما يتعلق بـ “التشيع السياسي”، لا يعني أنه حكر على الشيعة، بل هناك سنّة أيضاً “صوفية وسلفية وغيرهم”، يدينون بالولاء لإيران، وهو ما يُطلق عليهم باسم “شيعة السلطة” ينتهجون الخط والهدف ذاته لولاية الفقيه، كذلك القوميون العرب الذين كانوا سابقاً ضد إيران، لكن معظمهم اليوم معها، وأيضاً اليساريون والشيوعيون وغيرهم، وهذه حقيقة وواقع لسنا بصدد الاتهام أو التخوين بل فقط سرد الواقع كما هو، وبالتالي لدينا هنا قسمين، الأول يدين لإيران عاطفياً من خلال الدين والعقيدة، والثاني، يكون على ذات الخط سياسياً لكن ليس على الملّة والمذهب، وبالنهاية إيران دولة لها الحق في انتهاج سياستها الخاصة بها، والتي لا يعني أن يتوافق عليها الدول الأخرى، وهذا سعي أي دولة في العالم، صغيرة كانت أم كبيرة.
لكن المشكلة هي في أن تأخذ التحالفات والمصالح طابعاً دينياً خاصة وأن معظم دول المنطقة ذات طابع علماني، وهذا ينطبق على فكرة الخلافة أيضاً لدى بعض الفرق السنية، هذا الأمر مستحيل التحقيق في المنطقة العربية تحديداً، وفيه ظلم للفرق والتيارات الأخرى، فكل ما جئت على ذكره ليس أكثر من تعريفات مطروحة لدى الآخر وهذه واقعية لا بد من ذكرها، لكن هذه الإشكالية أخافت دول الخليج خاصة وأن البعض مهما حمل من مشاريع سياسية لكنهم مرتبطين مع إيران عقدياً، إذ تجد غموضاً في سياسة إيران تجاه المنطقة، خاصة وأن الإدعاء ان لا تدخل في دول المنطقة لكن هناك مبلغين وتبشيريين، وكوادر متكاملة سواء إعلامية أو تدريسية “بعض الجامعات في لبنان”، ليس هذا فقط، هذه المشكلة التي يقف عندها الخليجيون، فرغم أن كل أطياف فلسطين شاركت بالنصر الأخير على الكيان الصهيوني، انزعج الخليجيون من شكر اسماعيل لإيران بشكل خاص دون غيرها، وهذه سقطة وقع فيها هنية فكان حري به إما شكر الجميع أو لا أحد، لأنه بذلك يحرج مناصري القضية الفلسطينية، خاصة وأنه بحسب وجهة نظر البعض أن لإيران مواقف سلبية في المنطقة، فقضية فلسطين هي قضية مركزية ليست خاصة ببلد معين، فالتيارات التقدمية والقوميين واليساريين هم أقدم من خدم القضية الفلسطينية، لكن لم يخرج أحد منهم ويقول نحن لدينا “أسبقية”، وأول من درب المقاومة الإسلامية بكل فصائلها في لبنان، هم اليساريون والقوميون في لبنان وهم من سوريا والسعودية والكويت ومصر وغيرهم ممن كانوا يدرسون في الجامعة الأمريكية، كذلك الدعم التركي وما قدمته من أجهزة للمقاومة في فلسطين واستضافت المؤتمرات على أرضها. وبالتالي هنا مخاوف أهل الخليج ليست مذهبية وهذا أمر يجب ان يكون واضحاً حتى لا يتم استغلاله، لكنه خوف طبيعي من تعدد القراءات والمواقف في هذا الصدد.
وبقراءة متواضعة، أعتقد أن ولاية الفقيه، هي مرجعية سياسية، ويذهب فريق آخر ويقول إن الولاء لهذه الولاية يكون للمرشد لا للدولة وهنا تكمن الإشكالية والخلافات الحاصلة في المنطقة، وهذا أمر لا يمكن مداولته إعلامياً أو حتى النقاش والخوض فيه، لكن الضرورة تقتضي ببحثها بصرف النظر إن أعجب البعض أم لم يعجبهم، إذ يقول البعض أيضاً أن هذا الأمر انعكس على بعض الأقطار العربية مثل سوريا ولبنان والعراق على سبيل المثال وأن هناك تغييراً فيهم، فكيف يتم الحديث عن إصلاح سياسي وهذه الإشكالية قائمة، خاصة وأن ما يميز هذه البلدان هي التعددية واللوحة الفسيفسائية للمزيج المتعايش بين بعضه.
أخيراً، إن موضوع التحالفات ولعبة المحاور لا بد منه، إيران تختلف مع تركيا في سوريا، لكنها حلفاء، روسيا أول من اعترف بالكيان الصهيوني لكنها حليفة محور المقاومة والأمثلة كثيرة، وبالتالي كل بلد تبحث على مصالحها وتركز استراتيجيتها في هذا الخصوص، إلا أن الذكاء أن تكون في الوسط ويكون دبلوماسياً مع الجميع، لا لسياسة العداء ولا لسياسة التوافق المطلق، فرغم الاختلافات في مسائل معينة، لكن تتلاقى المصالح كما حدث مع حماس في الحرب الأخيرة، فالتوزان مطلوب في قراءة أي مشهد سياسي لأي دولة كانت، فجمال بلادنا تنوعها وعيشها المشترك لا أحد يعمل على تغيير هذه اللوحة تحت مشاريع مصلحية.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان – كاتب ومفكر/ الكويت.