لا نبالغ ان قلنا وثبتنا ان البعد السيكولوجي-النفسي- للتطبيع اهم واخطر من الابعاد الاخرى السياسية والثقافية والاعلامية والفنية والاقتصادية، فكل هذه الاشكال التطبيعية لن تنجح في تطبيع الامة والشعوب العربية مع الكيان دون ان يتحقق لهم البعد السيكولوجي-النفسي-، فهم في فلسفتهم التطبيعية يطالبون العرب ب: التطبيع السياسي والاعتراف الدبلوماسي والقانوني من قبل جميع الدول العربية، وهذا ما حصل ويحصل الى حد كبير وعلى نحو اجرامي بحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وبالتطبيع الاقتصادي – أي إنهاء المقاطعة الاقتصادية تماماً وبناء علاقات اقتصادية في مختلف المجالات : زراعة .. صناعة .. خبرات .. أيدي عاملة .. استثمارات .. وكذلك بالتطبيع الثقافي والاكاديمي والتعليمي، وهذا يعني إلغاء منظومة كاملة من المعتقدات والأفكار والمفاهيم التي نشأت عليها أجيال وأجيال فلسطينية وعربية، مع كل ما يتطلبه ذلك من تغيير في المناهج التعليمية والمطبوعات الفكرية والسياسية والثقافية والتاريخية والوسائل والخطابات الإعلامية والأنشطة الفنية .. الخ. وبالتطبيع السيكولوجي-النفسي وهو الاخطر، أي تكريس وتطبيع وجود”إسرائيل “والقبول بها عربياً رسمياً وشعبياً والتعامل والتعايش معها بكل ما ينطوي على ذلك من انفتاح شامل على تلك الدولة بوصفها دولة طبيعية مشروعة في المنطقة. هم في الكيان يدركون منذ بدايات التأسيس انهم سيبقون في حالة حروب مفتوحة مع الامة العربية حتى يعجز العرب عن تسلق جدار جابوتنسكي-اي استسلام العرب لقوة اسرائيل واعترافهم باستحالة هزيمتها-، وتعاون معهم في ذلك الغرب الاستعماري وخاصة الاستعمار البريطاني ثم الادارات الامريكية التي وظفت وما تزال كل طاقاتها وامكاناتها ونفوذها وضغوطاتها على الانظمة العربية بغية اجبارها على التوقيع والتطبيع. وفي هذه المضامين كان جنرالهم الأسبق موشيه ديان قد نظر في الرابع من حزيران /1968 وبمناسبة مرور عام على حرب حزيران /1967 قائلا:”اننا/اي اسرائيل/ قلب مزروع في هذه المنطقة غير ان الاعضاء الاخرى /ويقصد العرب/ هناك ترفض قبول هذا القلب المزروع.. ولذلك لا خيار امامنا سوى حقن هذا القلب بالمزيد والمزيد من الحقن المنشطة من اجل التغلب على هذا الرفض… “عن مجلة بماحنيه العسكرية الناطقة بلسان الجيش الإسرائيلي”. ويثبت ديان حقيقة كبيرة مؤكدا:” لقد زرعنا انفسنا هنا عن وعي.. وفعلنا ذلك مع علمنا بان محيطنا لا يرغب بنا.. ولكن الأمر بالنسبة لنا حتمية حياتية… لأن هذا القلب لا يمكنه ان يعيش في اي مكان آخر…”.” وفي هذه النظرية الديانية ايضا كتب الصحفي الاسرائيلي المعروف اوري افنيري… على موقع “المشهد الاسرائيلي يعزز نظرية الجنرال ديان فيقول: “هناك /ويقصد لدى العرب/ يشبّه المشروع الصهيوني برمته بعضو غريب تم زرعه في جسد إنسان. وجهاز المناعة الطبيعي يقاوم العضو المزروع، والجسم يجند كل ما أوتي من قوة لرفضه. يستخدم الأطباء جرعة كبيرة من الأدوية للتغلب على الرفض. يمكن لذلك أن يستمر إلى وقت طويل، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي إلى موت الجسد ذاته، والعضو المزروع معه… ويضيف : من المؤكد أن علينا أن نتطرق إلى هذا المثال كما نتطرق إلى أي مثال آخر، كمحدود الضمان، يمكن للمثل أن يساعدنا على فهم قالب عام، وليس أكثر من ذلك”.
ويمضي افنيري في عمق المسألة قائلا :” سيقول الغبي: مقاومة الرفض بمساعدة جرعة أكبر من الأدوية، التي تمنحنا إياها أميركا والعالم. وسيقول الأكثر غباء: لا يوجد حل، إنه وضع مفروض، سيستمر إلى ما لا نهاية. لا يوجد ما يمكن فعله سوى الدفاع عن أنفسنا بحرب، وحرب أخرى وحرب أخرى. ها هي الحرب القادمة لتوّها على الأبواب.
وسيقول الحكيم: هدفنا هو أن ندع الجسم يقبل العضو المزروع كسائر أعضائه، أن لا يعتبرنا جهاز المناعة فينا عدوا يجب التخلص منه بأي ثمن. وإذا كان هذا هو الهدف، فيجب أن يتحوّل إلى المحور الرئيسي الذي تنصب جهودنا من حوله. بما معناه: يجب أن يُنظر إليه وفق هذا المعيار البسيط: هل هذا يدفع الهدف إلى الأمام أم يقهقره إلى الخلف؟
وهنا يأتي دور الجرعات العربية المنشطة والمقومية لبقاء واستمرار الكيان، وهي التطبيع العربي الذي من شأنه فيما لو لستمر ان يحول البيئة الاستراتيجية العربية المعادية للكيان والمشروع الصهيوني الى بيئة استراتيجية صديقة ومطبعة مع الكيان…!
وهنا نتوقف امام مسلسلات التطبيع لما تشتمل عليه من رسالة ودعوة تطبيعية ثقافية وفنية بالغة الخطورة لانها تتغلغل في الفكر والوجدان والثقافة والفن والتراث….!؟
وتنطوي على بعد سيكولوجي-نفسي خطير…!. وهنا ننبه كافة القوى والجمعيات والتنظيمات والاحزاب المناهضة للتطبيع مع العدو ان تولي البعد السيكولوجي-النفسي للتطبيع عناية كبيرة في برامجها ونشاطاتها المناهة…!.!
نواف الزرو