عمّان، في 31 أغسطس/ العمانية/ قال المفكر اللبناني د.أدونيس العَكرة، إن المجتمعات
العربية تعدّدية في تكوينها تبعًا للتنوّع الطبيعي في أجناس البشر، والاختلاف الثقافي
والديني والعقائدي في ما بينهم.
وأضاف في لقاء تفاعلي نظمه منتدى الفكر العربي عن بُعد، أن الحاجة إلى البحث
والتفكير في موضوع المواطنة ما تزال مطلبًا أساسيًا، مما يطرح التساؤل حول مفهوم
التعايش السلمي وإمكانات ما يستتبعه من قيام المواطنيّة الحاضنة لأشكال التنوّع.
من جهته، أكد الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د.محمد أبوحمّور أن الدولة المدنية ليست
مرادفًا للدولة العلمانية، مشيرًا إلى أن “صحيفة المدينة” التي وُضعت عند بدايات إنشاء
الدولة الإسلامية في المدينة المنورة تعدّ أول دستور مدني يؤكد مفهوم المواطنة وأن
سكان المدينة أمّة واحدة، بصرف النظر عن معتقداتهم واختلافاتهم الثقافية والعرقية.
أما الباحث التونسي د.الطاهر بن قيزة، فرأى أن التأزم الذي يشهده الوضع العربي ليس
علامة مرض، بل علامة صحة في الانتقال من حال إلى حال؛ مشددًا على أهمية تحديد
المفاهيم قبل استعمالها من أجل إيجاد ثقافة متكاملة ومتجانسة لتعايش الجميع.
ورأى بن قيزة أن الدولة المدنية تعني الانتقال من النظام الهرمي إلى النظام الأفقي،
مشيرًا إلى أن النظام الهرمي لا يؤدي إلى إقامة مجتمعات مبنية على فكرة المساواة،
وهي الأساس للتساوي في ما بين المواطنين.
واعتبرت الأستاذة الجامعية د.مسعودة لعريط، أن خطاب المواطنة ما يزال لم يجد طريقه
بعد، فالمواطنة كاصطلاح ترتبط بترسيخ الديمقراطية، وثقافتها تتمثل في قبول التعدد
وحق الاختلاف، فهي تنطلق من تكريس الواجبات والحقوق الفردية والمادية.
وأشارت لعريط إلى أن بؤر التعصب والعنف ونبذ المختلف في بعض المجتمعات أدت
إلى ظواهر هجرة الشباب والمفكرين والمتعلمين من أصحاب الكفاءات، مؤكدة أن
المواطنة ستكون حلقة من حلقات نضال وعي التخلف ضد تخلف الوعي، ضمن نهج
ثقافي يندرج في إطار السيرورة التاريخية والصراع بين العدالة والظلم لتحقيق السلْم
الحضاري المبني على أساس احترام الاختلاف والتعددية.
وقال الباحث العراقي د.خالد العرداوي إن المستوى العربي لم يشهد حداثة مشابهة للحداثة
الأوروبية التي اخترعت مفهوم الدولة المدنية المبني على أربعة مبادئ هي: العلم،
والعقل، الحرية، والفرد.
وأضاف أن أفكار النهضويين الأوائل أمثال الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني
ورفاعة الطهطاوي تراجعت بعد بدايات عصر النهضة العربية الذي لم يستمر.
وتناولت الأكاديمية الأردنية د.سحر المجالي التطور التاريخي لمفهوم الدولة المدنية
والمواطنة في أوروبا، موضحة أن الثقافة الإقصائية التي شرّعها الرومان في قوانينهم
وميّزوا بموجبها بين المواطنين وغيرهم من سكان الأمصار الملحقة بالامبراطورية،
استمرت حتى عصر النهضة الأوروبية والأحلام الوردية التي جاءت بها واقتصرت على
الشعوب الأوروبية، لكن في الجانب الآخر أفرزت لبعض شعوب العالم، وخاصة الأمة
العربية، الاستعمار والتفكيك ومحاربة الهوية القومية والوطنية.
وأكدت المجالي أن القوى الاستعمارية هي التي تسببت في خوض الصراعات بين
مكونات الأمة العربية حتى على الهوية العربية الجامعة الشاملة، وجذّرت في زوايا الأمة
مفاهيم القُطْرية غير القادرة على مواجهة التحديات الداخلية والأطماع الخارجية.
وأشارت إلى أن الثقافة العربية امتزجت مع الثقافات المحيطة بها، كالفارسية والتركية
والأمازيغية والكردية، لكونها في المفهوم العام للدولة والمواطنة ثقافة استيعابية
وتصالحية بعيدة عن الثقافة الإقصائية ومتناقضة معها جذورًا وفروعًا.
ووضح الباحث السوري د.ماهر المملوك أن المطلوب هو صهر الهويات المتعددة في
سبيل هوية جامعة هي هوية الوطن الكبير الذي يتسع لجميع الأعراق والمشارب، ضمن
سيرورة الدولة التاريخية.
ودعا الباحث اليمني عبد الحميد سيف الحدي إلى فهم المنطلقات الأساسية نحو بناء الدولة
المدنية وعلى أسس علمية من شأنها المساعدة على تحقيق التنمية والاستقرار؛ مؤكدًا دور
المفكرين والباحثين في دراسة سبل إيجاد حياة تنموية ومشاركة حقيقية للقوى الفاعلة في
بناء الدولة المدنية وتعميق فكرة العيش المشترك بين مكونات المجتمعات العربية.
وأشار الحدي إلى الاتحاد السويسري كمثال على الاستقرار والنمو والتطور نتيجة العيش
المشترك؛ مشددًا على أن وجود صيغة لتعزيز التطور والتقدم ستجعل للأمة مكانة تليق
بها في عالم متغير ومتعدد يتسع لتنوع الهويات.
/العمانية /174