لا شكَّ أن أزمة جائحة كورونا أثَّرت على كل مناحي الحياة، العامة والخاصة، المجتمعية والفردية، ورُبما لن نجد أيَّ إنسان في العالم لم يتضرَّر من تداعيات هذا الفيروس الذي تفشَّى في كل الدول قبل نحو 8 أشهر، لكننا في دولنا العربية والإسلامية واجهنا تأثيرا كبيرا نتيجة غلق المساجد؛ من أجل الحفاظ على الصحة العامة.
ولقد اتَّخذت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، العديد من الخطوات الإيجابية والحاسمة في وقف انتشار هذا الفيروس، وكان من بينها قرار غلق المساجد؛ بما يضمن الحد من التفشي. وبفضل هذا القرار الحكيم بجانب قرارات أخرى، استطعنا احتواء المرض، ورغم أننا وصلنا إلى مراحل الذروة من الإصابة بهذا الفيروس، عندما سجَّلت وزارة الصحة أكثر من ألفي حالة إصابة في يوم واحد في يوليو الماضي، إلا أنَّ الخطر لا يزال قائما، واحتمالية نقل العدوى من المصاب إلى الآخرين مستمرة.
لكن في الوقت نفسه: ما الذي يمنع من إعادة فتح المساجد والجوامع مع اتخاذ كافة التدابير الاحترازية؟ فالكثير من المواطنين والمقيمين يحنون شوقا إلى الصلاة في جماعة بالمسجد، وإلى تلاوة القران في جو إيماني وروحاني مُعبَّق برحمات تتنزل من المولى عز وجل.
ولا شك أنَّ الجميع يُدرك خطورة الموقف، وأنَّ أي استهتار من أي طرف سيتسبب في ارتفاع عدد الحالات، وأن اللجنة العليا -مشكورة- تسعى لاتخاذ الخطوات التي تلائم طبيعة كل مرحلة، بما يضمن رفع القيود تدريجيا وفي الوقت نفسه عدم التسبب في زيادة الحالات.
والحلُّ أمامنا يُمكن تطبيقه، من خلال السماح بأعداد معينة من المصلين في كل مسجد، وبلادنا ولله الحمد تنعم بالكثير من المساجد، وهذا يعني أننا لن نرى زحاما أو تكدسا في المساجد أو الجوامع، مع إلزام كل مصلٍ بوضع الكمامة والوضوء في منزله؛ حيث يجب غلق دورات المياه ومواقع الوضوء، فضلا عن ضرورة قيام كل مصلٍّ بإحضار سجادة الصلاة الخاصة به، وإلزام إدارات المساجد والجوامع بالتعقيم المستمر وفتح النوافذ طوال اليوم، والحد من استخدام أجهزة التكييف وغيرها، التي تساعد على انتقال الرذاذ. فضلا عن تعيين شخص لقياس درجة حرارة كل مصلٍّ، على غرار ما يحدث في المراكز التجارية والمؤسسات العامة والخاصة. ومن الاشتراطات أيضا: ألا نطيل الفترة بين الأذان والإقامة، وبذلك نضمن أن المصلي يأتي للصلاة ويخرج من المسجد أو الجامع في وقت لا يتجاوز 15 دقيقة على أقصى تقدير. ويُمكن أيضا الإبقاء على قرار وقف إقامة صلاة الجمعة، ومنع الدروس…وغيرها من الإجراءات الاحترازية التي لو طبَّقناها لنَعِم المصلون بروحانيات طيبة في بيوت الله.
… إنَّنا نعلم يقينا حجم التحدي في ظل تفشي كورونا، لكننا في الوقت نفسه نتوق بحُرقة إلى الصلاة في المساجد، ندرك جيدا قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم: “جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا”، ونعلم أنه “فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”، غير أننا نحنُّ شَوقا إلى الصلاة في الجماعة في بيوت الله التي أمرنا الله بإعمارها.
على بن بدر البوسعيدي