(الهجير-عين السواح-ساب الود-رفصة الود-مزرع الود-مزرع الغوغة-البلادين-حلحل)
“وادي بني خروص”
بدأت والرفاق السير في دروبٍ ليست بالمرصوفة، أو الموطّأة ولكنها محفوفة بالعطاء، والكرم المرتبط بأهل تلكم العوالي من الجبال، وأوديتها السحيقة، فحثثنا الخطى يتقدمنا (سامي الهطالي) إلى قمة أحد جبال قرية (الهجير) حيث عزبة الغنم الخاصة بعائلتهم، ونحن في طور الإرتقاء كنت أنصت لأحاديث أخيه (هاني) وتبريره لسبب إنشاء عزبتهم في ذلك المكان البعيد نسبيا عن قريتهم (الهجير).
في العزبة لَحظتُ شابان (سليمان ومنير) يرقبان الشاردة والواردة بأعينٍ لامعة كذئبين ترعرعا في رسومِ ديّرٍ عتيق، وأصوات ترحيبهم بنا تتصاعد من بين قطعانهم الملتفة حولهم والتي هي بمثابة عيالهم، وبينما الرفاق يوضبون أغراضهم فإن (سامي وهاني) يرحبان بنا من خلال تعريفهم لنا على أقسام العزبة التي اخذت شيئا من التطوير بتزويدها بألواح الطاقة الشمسية لاستخدامات الإنارة، والتبريد.
لم تكن عزبة (السُّوَاح)-الواو مفتوحة بلا شدة-بالعزبة العادية رغم مكانها القاصي فهي تنبض بالحياة بفضل تدفق الماء عليها من (عين السواح)، وبها حُجرات بنيت مما توفره البيئة من حجارة، وجذوع شجر وغيرها وقد قسمت هذه الحجرات إلى حجرة نوم شتوية، ومطبخ، ومخزن، ولم يكن المصلى ببعيد ولكن ما شد انتباهي (مبيتت الصيف) فهي عبارة عن عريش فوق أعلى قمة للجبل ليضمن لك هواءً عليًا، ونائيا عن زريبة الغنم وما يصاحبها من روائح، وحشرات.
انقضى النهار وحل علينا ليلهم الودود، فرسم القمر على الجبل الأخضر المحيط بنا ما يشبه شلالات هابطة ولامعة من النور، وسهرتنا تعلوها أحاديث الرجال، وطيب الفعال ولكن (سليمان) أعد لنا عشاءً أسكت الجميع إلا من شكرٍ لله، وثناء لمن أكرم وأتقن في الطهي.
مر الوقت سريعا وقبل انتصاف الليل فضّل هاني وسليمان النزول إلى القرية لارتباطات مسبقة بينما قضى منير ليلته معنا فوق العريش الأخّاذ والسرور يملأُ قلبي لجمالية الموقع، ورصانة تشييد العريش، ولطافة الجو.
بعد الصلاة وتناول الريوق تأبطنا حقائبنا عند الشروق مهتدين بدلالة (سامي) ومتخذين من (ساب الوِد) دربًا لنا لاكتشاف ما تخبئه جبال الهجير، وحلحل في الدروب الرابطة بهما إلى الجبل الأخضر.
كنا خمسة نفر والشغف يدفعنا لما سنراه وكنت أشير على (سامي) أن نتخذ من درب (الرووس-الشرف) مسلكا لنا ولكنه بين لي أن تلك الدرب تخلو من دوافع المتعة، والشغف الذي نبحث عنه وكان صادقا فقد سلكت تلك الدرب قبل عام وأدركت فيما بعد الفرق الشاسع بينهما.
ساب الود هو ممر جبلي هلالي الشكل يقع تحت خط (الرووس-الشرف) ويتميز بتشكيلات جغرافية متنوعة، واطلالة تتحدى ببهائها، ورونقها، وهيبتها ريشة أي فنان أن يصف ما نراه، وكنت ومصطفى نلتقط الصور، والمشاهد المرئية باستمرار ثم تسلقنا لنصل إلى (رفصة الود) الموصلة إلى الجبل الأخضر وهي عبارة عن ممر على حامية جبلية أنشأها الأسلاف بالحجارة، وجذوع الشجر بسبب انقطاع الطريق وعدم وجود نتوءات تسمح بالتسلق.
هبطنا من رفصة الود إلى مزرع ليس بالبعيد عن الرفصة ويسمى (مزرع الود) وبه لجل (بركة) تتجمع فيه المياه العذبة الهابطة من عين تتدفق من أعلى الجبل وبه رسوم دار حجرية فبعثت أمنية مقرونة بالدعاء أن أرى تلك المنازل معمورة في المستقبل إن كان في العمر بقية.
أخذًا بمشورة (عبدالله الهطالي) جلسنا في استراحة مع فنجان قهوة تتخللها أحاديث (عبدالله الخاطري) صاحب التجارب، والمعارف ثم استأنفنا المسير إلى مزرعٍ آخر أكثر جمالاً، وبهاءً، ونُضرة ويسمى (مزرع الغوغة) وبه أشجار مثمرة ومتنوعة من الرمان، والليمون، والجوافة، والتفاح، والعنب وغيرها، ثم واصلنا هبوطًا من غير طريق أو درب شاخصة وفي جبال شقفة، وهشة وبعضها حجارة متكسرة (حلاحل) ووجدنا نصيبنا أنا وعبدالله الهطالي من لسعات دبابير (المصيفرو) لوجود وكر (طفخ) لهن تحت صخرة على قارعة طريقنا ورغم ذلك واصلنا غير آبهين ومتجهين إلى مساكن قديمة يقطنها بعض الرعاة في الوقت الحالي تسمى (البلادين) والرعد يسبح بحمد ربه، مواصلين دربنا ونحاكي سرعة (سامي) ولعله كان يتهيّب هبوط الوادي ومحاصرته لنا وقبيل أذان العصر وصلنا قرية (حلحل) لنختتم رحلتنا بغمر أجسامنا في مياه (فلج ستال) المنعشة في تلك الأجواء المليئة بالسعادة.
أعضاء الفريق:
١- عبدالله الهطالي.
٢-سامي الهطالي.
٣-عبدالله الخاطري.
٤-مصطفى المغيري.
٥-عبدالعزيز الكيومي.
عبدالعزيز الكيومي