(أصل هذا المقال رسالة جوابية لبعض الأخوة على مقطع فيديوا لبرنامج اشرحلي في قناة ناس العربية.. تناول الأباضية وأنهم من الخوارج وغير ذلك… فرأيت نشره للفائدة)
أخي الأحب وأستاذي الاجل…
لم تكن للأسف مصطلحات (الخوارج والنواصب والروافض) بريئة يوما ما ولا متجردة بل كان فيها اللمز والهمز، يستخدمها طرف ضد طرف آخر، وهي مصطلحات يجب على المسلمين وأدها وردمها لتلحق من جاء بها..
أما فيما يخص سؤالكم الكريم عن “هل الإباضية خوارج” فمن ناحية تاريخية وعلمية فالأباضية لم يكونوا يوما خوارج لأن الخوارج فرقة معروفة بعينها وأطلق عليها الاسم بعد تشكل عقيدتها في الآخرين (تكفير غيرهم من المسلمين كفرَ ملة)، ولكن تقاطعوا مع الاباضية في رفض التحكيم، فجمعتهم الدولة الرسمية (الأموية ومن تلاها) معهم في الوصف جمع تشويه إعلامي للتنفير منهم في المجمل والتضييق عليهم بأفعال غيرهم (الخوارج)
هذا ما رأيت في مسألتهم والخوارج قاتلهم الأباضية في عُمان وفي العراق عبر المهلب بن أبي صفرة العماني والذي ناله (تهمة) الخارجية وميوله للإباضية بسبب كونه أزديا من عُمان!
كذلك فالفيديو أعلاه غير دقيق من حيث ادعاؤه أن الإباضية وصلت عُمان في القرن الثامن الميلادي، بل كانوا في عُمان وفي العراق واليمن وفي غيرها قبل أن يطلق عليهم مصطلح (إباضية)، فالإباضية (المصطلح) جاء متأخرا على من عرف به لاحقا، والذين هم موجودون من الاصل في عُمان ولم يتغير عليهم شيء، ولم يطلقوا على أنفسهم أباضية، بل أطلقها الآخرون عليهم كما أطلقوا الخوارج عليهم، رغم عدم وجود أثر ولا مسألة عن ابن أباض فقهية في المذهب (كما حال أئمة المذاهب الأخرى) ولكنهم نظروا في التسميتين، فرأوا سيرة ابن أباض مشرفة، وتوجهه يمثلهم، فلم يأنفوا من نسبتهم إليه نسبة تعريف وتفريق في المنهج، كما نظروا في الخوارج ومنهجهم، فتبرؤوا منهم ومن تكفيرهم، فرفضوا نسبتهم لهم من ذلك أيضا، وإلا فهم مسلمون قبل المصطلحين (الإباضية والخوارج) وهم موجودون في عُمان وفي غيرها، والمستجد من ثم ليسوا إياهم، بل غيرهم من المذاهب الفقهية التي تنتسب نسبة حقيقية لإمامها، وتتبع فقهه ومنهجه، وقد يظهر بهذا الفرق بين نسبة المذاهب الحنفي والمالكي الشافعي والحنبلي الحقيقية للأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل على التوالي وبين نسبة الاباضية إلى ابن أباض هنا أيضا.. لذلك فالمذاهب الفقهية تلك ومعها المذهب الإمامي والزيدي هي الجديدة نسبيا واللاحقة في الظهور (القرن الثاني الهجري وما يليه والإباضية كانت في القرن الأول)، وهي (المذاهب الجديدة نسبيا) التي جاءت بالتأصيل الفقهي، وهي من تغيرت على قواعدها بعض العبادات في شكلها كما الصلاة في هيئتها قبضا وإرسالا ورفعا وخفضا لليدين تبعا للقواعد الفقهية التي ارتضوها، وأثر الرواية بعد تصحيحها في العمل في الصلاة وغيرها..
إذن فالتحقيق أن المصطلحين الإباضية والخوارج كليهما حديث ولاحق لمن أطلق عليهم (في عُمان والعراق واليمن والمغرب العربي ومصر في القديم وغيرها من أقطار العرب)، ونسبتهم للمصطلحين ليست نسبة حقيقية كما هو الحال في باقي المذاهب، حيث ارتضوا الأول لسيرة صاحبه وهم سابقون له، ورفضوا الثاني أيضا لسيرة أصحابه (الخوارج التكفيريين) وهم سابقون لهم في التكوين كذلك، هذا ما توصلت إليه وما أراه.. والله يعين هذه الأمة على عتق رقبتها من تركة الماضي السالبة خاصة والممزعة لها ولوحدتها للأسف… ويؤلف قلوبهم..بدل إعادة بعث كل ما يمزقهم ويفرقهم، وكأنه كُتب عليهم العيش في معارك الجمل وصفين والنهروان وكربلاء وكأنهم كانوا جزءا منها، بل حتى أصبحت دينا لهم يعيدون إنتاج مآسيها سنويا في مظاهر احتفالاتهم وخصوماتهم للآخرين وفيما بينهم، ويبعثونها من جديد في كتبهم وبحوثهم وأكاديمياتهم، حتى بعثوها في القرن الحادي والعشرين في حكوماتهم وقرارتهم السياسية والحربية بينهم وبين بعضهم وعدائهم واصطفافهم ومنحط مصطلحاتهم، وهم لم يكونوا ولم يكن آباؤهم ولا أجدادهم في تلكم المعارك ولا شهودا عليها ولا على أصحابها، فليتهم اكتفوا بتوجيه ربهم لهم في علاقتهم ومن سبقهم (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسؤولون عما كانوا يعملون).. فهو التوجيه الحق الذي يدعوا لعتق رقبة الحاضر من ربقة عبودية الماضي في الجانب المظلم منه.. ويخبرهم أنكم خلق جديد مسؤولون عن حاضركم أنتم وعلائقكم بما قامت عليكم به حجة الحياة ولم تقم عليهم، ولستم مسؤولين عن ماضٍ لم تعايشوه ولم تكونوا جزءا منه ومن مشاكله يوما..والله المستعان وعذرا على طول الجواب.. ولكن في القلب غصة وألم على حال الأمة والإنسانية في العموم، والحمد لله رب العالمين على كل حال!
أخوكم عبدالحميد بن حميد الجامعي
الاثنين
١٠ ربيع الآخر ١٤٤٣ هـ
١٥ نوفمبر ٢٠٢١ م