(العليا “وادي بني خروص”-درب الفرس-حد لعلايم “الجبل الأخضر”-درب الصفاة- شرجة الحصن “وادي بني خروص”)
دروبٌ تضيفُ لنا ما يزهر القلب بذكراها، فهي “أحاديث تبقى والفتى غير خالدٍ” كما قال عروة بن الورد في جوهرة أشعاره هكذا كانت أحاديث رحلتنا التي قادها أبو اليمان مستعينا بصديقنا وخبيرنا في دروب الأشم الأخضر أحمد الخروصي.
حرص أبو اليمان أن يجتمع الرفاق القدماء في هذا التجمع بهدف اللقاء، والرياضة، واستعادة الذكريات القديمة لنا، وبفضل حسن إدارته استطاع استقطاب معظمهم رغم الظروف المحيطة، وقبيل الفجر تجمعنا عند (حصن العوابي) لأداء الصلاة، ولنقتات ما يعيننا في رحلتنا.
ركنا عرباتنا في الرحبة عند بيت (زيد الصمصامي) متخذين من درب “الفرس” مسلكًا لنا إلى أعالي الجبل الأخضر حيث سنقضي ليلتنا في مكان يقال له “حد لعلايم” سبق أن ذكرته في احد المقالات.
قبيل (مزرع الدار) دلنا (أحمد) على مفترق الطرق لمن أراد درب (السوجرة) عليه مواصلة مساره -وعندها استعدت ذكريات هذه الدرب قبل ٥ سنوات- ومن أراد درب (الفرس) عليه أن يرقى موليًا جهة الغرب من بعد (بوابة الحمار) التي تعترض طريق المارة إلى (الدار) وكانت هذه الدرب مبتغانا فبدأنا الارتقاء بزاوية متوسطة الانحدار وكثيرة التعرج-درب تلاويح-وقد علل أحمد ذلك لأنها تستخدم لعبور الدواب المحملة بالأمتعة، فهي كانت دربًا معتمدة للدعم اللوجستي القادم من (وادي بني خروص) إلى (جبل بني ريام) في حقبة حرب الجبل الأخضر منتصف القرن الفارط.
واصلت المجموعة المسير ويتقدمنا دليلنا (أحمد) أما القائد فقد حرص أن يكون في آخر المجموعة لضمان سلامة كل الرفاق وهذه من سمات القائد الفطن التي تعلمتها من هذه الشخصية وقد أسر ّإليّ وحش الجبل (ياسر العبري) عن استحسانه لهذه السمة في أبي اليمان.
تباينت المسافة بين افراد المجموعة فتقرر أن يجتمع الرفاق عند كهف على نهاية (ساب) من تعدّاه متبعا العلامات السياحية سيصل إلى قرية “شنوت” بينما من أراد “حد لعلايم” عليه أن يحاكي شرف الجبل الاخضر جهة (وادي بني خروص)، وقبيل الظهر بدأت علامات الامطار التصاعدية بالظهور من خلال سحب الروايح، وسمعت أحمد يقول: (عسى برشة مطر تلطّف الجو) فأجبته قائلا: عسى بمطر من شدته يحجب علي رؤية من بجانبي!
ونحن في ارتقائنا نستبشر الخير على وقع هزيم الرعود جهة (وادي مستل)، وجهة أعالي الجبل من الجانب الآخر ومع صدى تلك الروعد ينبعث أثرًا وجدانيًّا يُحدث نخزات في القلب نطلق من خلالها الأماني، وتعود بكل واحد منا طفلًا سعيدًا غير آبهٍ بما كان وسيكون.
وما هي إلا لحظات والأمطار المصحوبة بحبات البرد تنهمر بشدة علينا عندها ادركنا معنى أن تغسل السماء الأرض ومن عليها من بشر، وشجر، وحجر، لحظات شعرنا حقيقةً فيها بقوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
مع استمرارية الهطول احتمى البعض بالمغارات بأحدى الجبال بينما فضل آخرون الاستمتاع بهذه النعمة التي قلّ أن تصادفنا في هكذا ظروف، وبعد المطر كانت سيول الشراج، والشعاب ترسم لوحةً أدهشت أنظارنا، فهي تجري متدفقةً نحو شرجتي (البدع، والحصن)، ورائحة الأرض، والأشجار المبللة بمياه الامطار تمنحنا فرصة استنشاق عطر يعجز البشر في استخلاصه من طبيعته، لتكون هذه اللحظات اجمل ما شهدناه.
عند “حد لعلايم” استقبلنا مضيفونا من أبناء الجبال (سالم العويمري وابنه هزاع واخوته) وبمعيتهم سليمان شقيق سالم، ولم تكن هذه أول مرة يكرمونا فيها بل هذا ديدنهم منذ أن صحبنا نسيبهم (أحمد الخروصي)، وكخلية نحل نشطة كان ابناء سالم يقومون بترتيبات الضيافة ونفسي تحدثني قائلة: إن لم يغرقنا مطر السماء فسيغرقنا مطرٌ من كرمِ أبناء عويمر وهذا ما حدث، وفي حقيقة الأمر كان الرفاق قد خمصت بطونهم من الجوع بسبب مشقة الطريق، وفرحة المطر لذلك لم نكن نتوانا في إلتهام ذلك اللحم الطازج الذي أعده الكرماء.
قبيل المغرب احتطب أبو عمار-كعادته – بمعية الرفاق لنأنس بالنار، ونستغلها في تنشيف ملابسنا المبتلة بالمطر، كذلك كان الجو باردًا بعض الشيء فتحلقنا على النار إلى حين وقت المبيت.
في الصباح الباكر أعد أولاد عويمر الريوق وبعد فقرة التغذية استأذناهم للرحيل شاكرين كرم ضيافتهم، فتقدمنا (أحمد) قاصدًا بنا درب الصفاة-وقد افردت لها مقالا في وقتٍ سابق-
ولكن ما ادهشني هذه المرة هو بقايا من ماء، وعطر نتيجة سيول الأمس فأرتشف بعضنا من القلوت التي وجدنها على قارعة طريقنا، ثم أكملنا مشوارنا في هذه الدرب ذات الانحدار الشديد وعند نهاية شرجة (الحصن) الرافدة لوادي بني خروص كانت نهاية مسير بطله المطر.
أعضاء الفريق:
١- إبراهيم اليعربي. ٢-أحمد الخروصي. ٣-ياسر العبري. ٤- سيف الغافري. ٥- هلال الكيومي. ٦-خالد الحوسني. ٧-ناصر العامري. ٨-فوزي الكيومي. ٩-محمود الجهوري. ١٠-ناصر الغافري. ١١-سيف الجابري. ١٢-محمود القويطعي. ١٣-ناصر القطيطي. ١٤-محمد القويطعي.١٥-عبدالعزيز الكيومي.
كتب: عبدالعزيز الكيومي
