مضت ثمانية شهور على رحيل أعز الرجال وأنقاهم سلطان القلوب وحبيب الشعوب جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه. وعندما نكتب المرثيات أو نؤبن هذا القائد العماني الخالد في القلوب فإننا لا نمارس طقوس الدراوشة أو أننا نبقى في دائرة الرثاء، لكننا نستمد من هذا القائد الملهم روح المواطنة، ونجسد تلك التضحيات الوطنية التي قدمها حبيب الشعب، ونستمد العنفوان والإخلاص والعطاء من أجل هذا الوطن الذي سجل في تاريخه إضاءات ساطعة، فكانت عمان شامة في ذاكرة التاريخ. وعندما نتحدث عن جلالة السلطان قابوس فإننا نستدعي التاريخ والحضارة والمواقف العظيمة في تاريخ عمان، فهذا القائد العظيم يمثل امتدادا لذلك التاريخ العظيم، واستمرارا لسلسلة أجداده العظام مثل الإمام أحمد بن سعيد والإمام عزان بن قيس والسيد سعيد بن سلطان، فجاء قابوس ليرسم تلك الامبراطورية العمانية العظيمة بطريقة عصرية متجددة. وعندما نستعيد ذكرى جلالة السلطان قابوس فإننا نستذكر تلك الإضاءات من تاريخ عمان الكبير منذ أن استقبلت هذه الأرض الطيبة مالك بن فهم فأقام على أرضها دولة عمانية يشار لها بالبنان، فسجلت عمان حينذاك أحد أهم ثلاثة انتصارات عربية على الفرس قبل الإسلام في يوم سلوت، عمان التي انطلق منها الدعاة والصحابة لينهلوا من معين الإسلام، فكانت من أوائل الأقطار العربية التي دخلها الإسلام طواعية دون خف ولا حافر، فرحبت برسل المصطفى صلى الله عليهوسلم الذين توافدوا على ملكيها عبد وجيفر ابني الجلندى، كما استطاب المقام للصحابي عمرو بن العاص في عمان، عمان التي دعا لها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، عمان التي لم تتخلف عن العهد طوال فترة الخلافة الراشدة، فسجلت كتب التاريخ الإسلامي ثناء الخلفاء الأربعة على عمان، عمان التي حافظت على موقعها السيادي في فترات طويلة من التاريخ في العهدين الأموي والعباسي، كما أسهمت عمان في الفتوحات الإسلامية في أقاليم عدة منها مصر وبعض الأقاليم الأخرى، ولا ينسى التاريخ الدور الحضاري والملاحي عندما انتقل بحارتها يجوبون المحيطات يحملون رسالة السلام والإسلام في ربوع المنطقة، ثم تحملت مسؤولياتها التاريخية فدافعت عن المنطقة، وتصدت للبرتغاليين وطاردتهم في عموم المنطقة، عمان التي انطلقت جيوشها في لحظة فارقة من الزمن لمناصرة الأشقاء في سقطرى حتى تم طرد الأحباش منها بعد رسالة الزهراء السقطرية، فسجلت كتب التاريخ تلك الهبة العمانية بأحرف من نور، عمان التي انطلق أسطولها الحربي لمساندة أهل البصرة حتى تم طرد الفرس من شط العرب، وكذلك الدفاع عن البحرين ضد الأطماع الفارسية، عمان هي الفضاء الساطع الصافي في سماء العروبة فلم تتخلَّ يوما عن مسؤولياتها التاريخية وواجباتها الحضارية.
اليوم عندما نذكر هذا القائد فإن عمان لن تنساه وذاكرة التاريخ العماني سيخلد اسمه، نسأل الله سبحانه أن يجزيه عن عمان وأهلها خير الجزاء، اللهم ارحمه واغفر له وأكرم نزله، اللهم اجعل الملائكة المقربين يدخلون عليه من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعمى عقبى الدار، اللهم نسألك أن تجعله في روح وريحان وجنة نعيم، اللهم آمين يارب العالمين.
خميس بن عبيد القطيطي