قلت في تغريدة سابقة على غرار الردود التي أشعلت شبكات التواصل الاجتماعي وتصدرت وسم، نرفض قرار وكيل العمل معبرًا عن وجهة نظري حول ما تمَّ تداوله بين مُؤيد ومعارض وأرى أنَّه للخروج من التجاذب حول تعميم سعادة الشيخ وكيل العمل لتحديد الحد الأدنى من الأجر وعدم ربط الراتب بالدرجة العلمية، يتعين على وزارة العمل الجهة المشرعة للقرار، أن يدفع هذا (الأجر) لحملة الشهادات الجامعية كمكافأة تدريب، وليس كراتب، وذلك لمدة سنة كحد أدنى، ويتجدد حسب رغبة الطرفين.
ومن المهم أن نوضح- كما أشار سعادة الشيخ وكيل العمل في وسائل الإعلام- أنَّ التعميم جاء لكي يعالج ويسهل على الباحثين عن عمل من حملة الشهادات الجامعية الحصول على وظيفة مناسبة إن توافقوا مع صاحب العمل وقبلوا بأجرها، لأنَّ النظام الإلكتروني لوزارة القوى العاملة (سابقا) قبل هذا التعميم كان يقف عقبة أمام تسجيل العقود حتى لو وافق الباحث عن عمل، وكانت هناك شكاوى من الباحثين وأعضاء مجلس الشورى بسبب ذلك الإجراء.
ربما طريقة صياغة التعميم ساهمت في غموض الهدف من التعميم، فلو اكتفى التعميم بالقول إنَّ الوزارة سوف تقوم باعتماد عقود العمل طبقاً لإرادة طرفيها، ومن ثم اعتماد ما تتفق عليه إرادة العاقدين للأجر الشهري دون ربط القرار بالشهادة الجامعية، لكان الوضع أفضل، فالكل يتفق أنَّ الشهادة الجامعية تبقى مكانتها عالية ومحل تقدير واحترام.
إنَّ القرار الذي جاء لكي يحل مشكلة كانت قائمة على مدار سنوات أشعل شبكات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، ما يعكس مدى وعي الجمهور بالآثار المترتبة على أي قرار يتخذ من قبل الجهات الحكومية ويمس المُواطن مُباشرة.
في اعتقادنا أنَّ هذا التعميم سوف يُساهم في دفع عجلة التعمين في القطاع الخاص، خاصة وأنه جاء ليلبي مطالب القطاع الخاص الذي يُعاني منذ سنوات من العديد من التحديات بسبب الأزمة النفطية، من جهة والآثار الناتجة عن جائحة كورونا من جهة أخرى، ولا شك أنَّ صدوره في هذا التوقيت سوف يُثير العديد من الأسئلة الواقعية والمطالبات المنطقية من قبل أصحاب الشهادات الجامعية وفي نفس الوقت يعتقد من قبل المؤيدين أنَّه جاء في وقت مهم يتم فيه معالجة تشوهات قانون سوق العمل، ولاحظنا ردود الأفعال التي ساقها الرافضون لهذا القرار وتلك الأسئلة والتجاذبات، ومن ثم يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتناقش مع الأطراف ذات العلاقة للوصول إلى قناعات بأن كل قرار يتخذ يجب أن يكون في صالح المواطن.
المرحلة الاقتصادية الحالية تحتم حلولاً وإجراءات تسرع عملية التوظيف وقد يكون هذا التعميم أحد هذه الأدوات للدفع بالباحثين للبدء في أول وظيفة لهم كسبًا للخبرة وحصولاً على تدريب وتأهيل سيساعدهم في الرقي في سلمهم المهني عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية. لهذا يجب أن نعذر أيضاً تلك الأصوات التي تعالت من جراء هذا التعميم الوزاري ودعت إلى تصنيف تطبيق التعميم بين المؤسسات العملاقة والكبيرة وبين الشركات الحكومية والعائلية ومؤسسات صغيرة ومتوسطة محذرة من النتائج الوخيمة من جراء تقليص قيمة الشهادة العلمية ويتخوف البعض من أن يكون ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وسوف تضيع تلك الجهود التي بذلها طالب العلم وقضى سنوات من أجل التحصيل العلمي حتى يعود متسلحاً بالمعرفة ليساهم في خدمة البلاد.
ما زالت هناك العديد من الأسئلة العالقة في حنجرة المتضررين وتبحث لها عن إجابات وافية من منطلق لا ضرر ولا ضرار، لكن الواقع يقول إنَّ تطبيق هذا التعميم الوزاري أصبح ملحا ولو لمدة زمنية محددة وسوف يرفد شركات القطاع الخاص، بما فيها الشركات الصغرى والمتوسطة بكوادر وطنية ولن يكون هناك عذر أمام هذه المؤسسات لعدم توظيف المواطن ودخوله سوق العمل.
من الواجب علينا ككتاب وصحفيين أن ننبه الجهات ذات العلاقة، بأن هذا القرار أو التعميم قبل أن يطبق يجب أولاً أن يناقش من قبل جهات الاختصاص مثل مجلس الدولة ومجلس الشورى ويجب أن يؤخد بمرئيات ووجهات نظر القطاع الخاص ممثلاً في غرفة تجارة وصناعة عُمان كونها لابد أن يكون منصفاً ولا يخدم طرفاً ضد طرف آخر. فهذه المرحلة أجدها مهمة لتشخيص الوضع الاقتصادي العماني الراهن، ومعالجة تشوهات سوق العمل، فمعالجة المشاكل القائمة حالياً مهمة جدا، قبل تطبيق أية قرارات جديدة ذلك أن الأضرار لن تستثني أحداً، لا مواطناً ولا وافداً، الكل في دوامة التحديات الاقتصادية.
ما الحل إذن؟
نعتقد أن الحل هو العمل معاً حكومة ومواطنين وقطاع خاص، لمُعالجة الأخطاء السابقة، وإيجاد حلول واقعية لحماية المواطن والقطاع الخاص معًا، بموجب أنه أحد روافد الاقتصاد المحلي، وإلا فإنَّ الغرق في بركة الإغلاق للشركات سيكون مصير العشرات من الشركات العمانية، التي كانت تبحث عن مجال للمنافسة، فصارت في مهب الرياح، فما نحتاجه حقاً في هذه المرحلة تبني أفكار غير تقليدية قد ترفد الاقتصاد الوطني وتُشجع مُؤسساتنا الوطنية للعمل وفق مُعطيات المرحلة القادمة، خاصة وأنَّ المرسوم السلطاني الأخير بإنشاء جهاز الاستثمار العماني سيحقق للقطاع الحكومي والخاص قفزات قوية وسيُعيد رسم الخارطة الاقتصادية للقطاع الخاص.
أخيراً أقول إنَّ فرص العمل وفق مُعطيات السوق أصبحت شحيحة جداً بل إنَّ الشركات تغلق وهناك عدد كبير من المسرحين ليس في بلادنا فقط وإنما في كل مكان في العالم، لذلك فإنَّ الأجر في هذه الظروف لا يجب أن يكون العائق أمام الارتباط بوظيفة لأوَّل مرة وعلى المُوظف أن يثبت جدارته لوظيفة أعلى وبراتب مرتفع.
حمود بن علي الطوقي