زيارة صاحب السُّمو الملكي الأمير مُحمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى سلطنة عُمان المُقرر أن تبدأ يوم الإثنين الموافق 6 ديسمبر 2021، لا شكّ أنّها تأتي في توقيت مهم؛ لأنها تعد الزيارة الأولى لسُّموه إلى سلطنة عُمان، فضلاً عن كونها أول زيارة من مسؤول سعودي رفيع المستوى إلى السلطنة، منذ الزيارة التاريخية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- إلى السعودية في يوليو الماضي.
كما إن هذه الزيارة نادرة، كما إن الأوساط المهتمة من الجانبين العماني والسعودي تراها عميقة واستراتيجية وعملية لعدة أسباب وأهم هذه الأسباب، فمن حيث التوقيت تأتي الزيارة بعد أربعة أشهر فقط من زيارة السلطان هيثم بن طارق المعظم – ايده الله ونصره – في يوليو من عام 2021، وكما هو معلوم أنه تم إقرار مجلس تنسيقي بين البلدين، والتوقيع على تسع اتفاقيات بين البلدين في مجالات الدفاع والاستثمار والنقل والتكنولوجيا والرياضة والشباب وغيرها، كما أنها تأتي قبل انعقاد قمة الخليج بعدة أيام.
أضف إلى ذلك، أن الأهمية الإستراتيجية تمتد إلى أكثر من جانب، فالشعبان الشقيقان العماني والسعودي يتطلعون إلى افتتاح معبر الربع الخالي، المعبر المُباشر بين البلدين الذي يختصر حوالي 800 كيلومتر مربع، وبدون أدنى شك سوف يفتح آفاقا أرحب للجانبين، فمن الناحية الشعبية سيُوفر على الحجاج والمعتمرين العُمانيين كثيراً من الوقت والجهد، أما من الناحية التجارية فسوف يزيد من نمو فرص التبادل التجاري في الصادرات والواردات، والتي نمت بنسبة تزيد عن ٧٪ في ثلاث أرباع عام 2021، وبشكل تلقائي سوف ترتفع هذه النسبة بعد افتتاح المعبر البري، أضف إلى ذلك الحركة السياحة بين البلدين، ما ذكر يعد من الفوائد الفورية، أما النتائج المتوقعة على المدى المتوسط فهي إقامة منطقة صناعية ومنطقة حرة قريبة من معبر الربع الخالي.
مجالات التعاون الاقتصادي العماني السعودي لا تكمن في المعبر الحدودي فقط، بل تستوعب أكثر من ذلك، فعلى سبيل المثال موقع السلطنة الجغرافي والاستراتيجي وخاصة وجود منطقة الدقم الصناعية الخاصة والمطلة على بحر العرب والمحيط الهندي يمكنها أن تمكن الشركات السعودية الضخمة وخاصة شركات النفط والغاز أن تخزن منتجاتها في منطقة التخزين (رأس مركز) وتعيد تصديرها إلى أكبر وأكثر الأسواق كثافة واستهلاكاً لمنتجات الطاقة وهي الآسيوية والأفريقية، والميزة في منطقة الدقم أنها تقع في بحارًا مفتوحة بعيدة عن منطقة التجاذبات السياسية والأمنية في مضيق هرمز.
منطقة الدقم الصناعية تتكون من 2000 كيلو متر مربع وتعد الأضخم على مستوى الوطن العربي وشمال أفريقيا لن تكون مفيدة لتخزين وتصدير النفط السعودي الذي يشكل حوالي 12% من إنتاج العالم، ولكنه سوف يمكن المنتجات السعودية المختلفة من الوصول إلى أسواق أفريقيا وآسيا، وسوف يقلل نسب المخاطر الجيوسياسية في مضيق هرمز والكلفة المالية للشحن والتأمين عليها، إضافة إلى ذلك إمكانية الشراكة الإستراتيجية بين القطاع الخاص العماني والسعودي؛ سواء كان من خلال الصناديق السعودية والعُمانية السيادية من خلال أذرعها الاستثمارية، أو من خلال إنشاء صندوق استثماري مشترك، أو من شركات القطاع الخاص والتجار أنفسهم.
زيارة ولي العهد السعودي إلى السلطنة بكل تأكيد ستنقل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى منطقة أرحب، خاصة وأن القيادتين لديهما رؤى مستقبلية طموحة، رؤية 2030 السعودية، ورؤية “عُمان 2040″، وتتشابهان في جزئيات عديدة، ويمكن للجانب العماني أن يستفيد من رؤية السعودية 2030 التي سبقتها بعدة أعوام.
زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى السلطنة غاية في الأهمية من الجانب الاقتصادي ومعول عليها تعميق العلاقات العمانية السعودية، كما إنها ستضع النقاط على الحروف للملفات الحساسة؛ كالملف السياسي والأمني اليمني والإيراني، وتنسيق المواقف والجهود السياسية والدبلوماسية والأمنية تجاهها، لتمتد العلاقات لتكون أعمق قيادةً وحكومةً وشعبًا.
خلفان الطوقي