كثيرٌ من المقالات والمُداخلات نتحدث ونتطرق فيها إلى موضوع “الفساد”؛ كظاهرة يجب محاربتها، ولعلَّ الجميع يتفق على أنَّ هذا المصطلح لا يخص بيئة أو دولة معينة دون غيرها؛ بل هو مصطلح عالمي وقديم قدم خلق البشرية، وسيظل الفساد قائماً ما دامت الحياة قائمة، وسيبرز هناك من يحارب الفساد بكل ما يملك من قوة.. وفي المُقابل سيواصل أهل الفساد يتربعون ويتفننون في ممارسة الفساد، غير مبالين بالنتائج الوخيمة؛ فالفساد كمرض وكحالة إدمان من الصعب التخلي عنه ويحتاج إلى جلسات علاج، وقد تنجح هذه الجلسات أو تذهب الجهود سدى!!
كنت أتابع في إحدى المجموعات والمنتديات الخليجية (الواتسابية) تضم مجموعة من الإعلاميين والمفكرين وأصحاب الرأي تناقش قضية الفساد وأبعاد الفساد اجتماعية واقتصادية ونفسية وأجمع الجميع على أنَّ الفساد ظاهرة عالمية تحتاج إلى حزم وعزم لمُقاومتها وأعجبت بإحدى المداخلات حول هذا الموضوع، حيث قدم الدكتور أحمد محمد بوزبر من دولة الكويت تصنيفاً جميلاً للفساد صنفه لعدد عشرة أنواع من الفساد كل هذه الأنواع تندرج تحت أنماط مختلفة تمارس تحت مظلة الفساد.
فقد صنف بوزبر الفساد بأنماط وأنواع مختلفة منها: الفساد المالي وهذا النوع يُؤدي لبعثرة ثروة البلد ولاشك أن ممارسيي هذا النوع ينضوون تحت مظلة الأجهزة الإدارية للحكومات، وهم أصحاب وصناع القرار ويمارسون الفساد نظرًا للصلاحيات الممنوحة لهم. وهناك الفساد الإداري؛ وهذا الفساد ناتج عن مُمارسات إدارية تُؤدي لتدنّي الخدمة المقدمة للجمهور. لهذا لجأت بعض الحكومات ومنها حكومة السلطنة لإنشاء جهاز مُختص لمتابعة التجاوزات الإدارية والمالية للدولة ليكون هذا الجهاز كحارس أمن على الممارسات الخاطئة في الأجهزة الحكومية للدولة.
وهناك أيضاً الفساد القِيَمي الذي يؤدي لسوء الأخلاق، والأخلاق بشكل عام قيمة إنسانية عالية وهذا النوع من الفساد القيمي يحتاج إلى تقويم من خلال غرس المفاهيم القيِّمة لتجنب وقوع الأشخاص في براثن هذا النوع من الفساد.
هناك نوع آخر عرفه الدكتور بوزبر بالفساد الفكري الذي يُؤدي لتلويث المفاهيم وتبدليها ويمارس هذا النوع من الفساد أصحاب الفكر من خلال التمسك بالمبادئ ونشرها حتى لو كانت خاطئة.
كما إنَّ هناك الفساد السياسي وهذا النوع في اعتقادنا الأشد ويؤدي لظلم العباد؛ فاللعبة السياسية إذا اقترنت بالفساد تؤدي إلى نتائج وخيمة على مختلف المستويات.
هناك أيضاً الفساد التشريعي والذي يؤدي لضياع الحقوق والواجبات وعادة يقع ضحايا هذا النوع أثناء المرافعات القضائية فالقضاء إذا اتصف بالفساد يتسبب في ضياع الحقوق.
كما إن هناك الفساد الإعلامي، وهو لا يقل وطأ عن الفساد السياسي والتشريعي، وهذا النوع يؤدي إلى تزييف الحقائق وتغيير المفاهيم فلهذا يجب أن يكون الإعلام نزيهاً وشريفاً لكي يُحقق العدالة فكما رأينا قيام الإعلام بتزييف الحقائق لإثبات مواقع القوة في القضايا التي يُؤمن بها.
وهناك أيضاً الفساد العنصري الذي يؤصل الطبقية وهذا النوع يجب محاربته من قبل المجتمع ويفرق بين أبناء الوطن الواحد ولهذا حارب الإسلام هذا الصنف منذ البداية فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى”، وهذه إشارة صريحة لمُحاربة الإسلام للطبقية.
هناك نوع آخر للفساد وهو الفساد الحزبي الذي يعني تفتيت المجتمع ولهذا نرى المجتمعات التي تعتمد في فكرها على الأحزاب تعيش في قلاقل بسبب هيمنة قوة هذا الحزب على الحزب الآخر وسرعان ما تتفكك هذه الدول وتنهار لأنها تعتمد على تقوية طرف على طرف آخر. نظراً للسيطرة غير العادلة.
هناك أنواع أخرى وأصناف للفساد لم يتناولها الدكتور أحمد محمد بوزبر في مداخلاته، وشخصياً تناولت في مقالات سابقة عندما تحدثت عن الفساد وصنفت بأن للفساد ألوان مُختلفة منها الأسود والأبيض والأحمر والبني والبرتغالي والأصفر وغيرها وكلها ألوان قد تقاس على مستوى الفساد.
دعونا نتفق معاً في ختام هذا المقال على أنَّ الفساد لا بُد وأن يُحارب وعلينا كمجتمع أن نتكاتف من أجل مقاومة أي فعل يقود مجتمعنا إلى الفساد، كما أننا نعيش مرحلة صعبة تحتاج إلى التركيز للعمل بروح الجماعة فقد يقودنا العمل الجماعي النظيف إلى أن نحقق معادلة جديدة بعيدة عن شوائب الفساد. فهل نستطيع؟! نتمنى ذلك.
حمود بن علي الطوقي