عندما أقرأ مؤلفاً قديماً، أشعر بعمق الكلمات والحالة التي كان فيها الكاتب، وإلى أين يريد الوصول بما كتب، لا تخلو كتاباته من العمق التحليلي من خلال الإبحار في الأمثلة والدلائل وختامها بنصيحة وموعظة، كان همهم الأول والأخير، تحذير الناس ونصحهم وإرشادهم، دونما مصلحة أو غاية.
وعندما أقرأ مؤلفاً جديداَ، لا ينفك الكاتب من تحديد كتابته وتوجيهها إلى طرفٍ معين، مستخدماً قلمه كسلاح، للطعن أو الضرب أو حتى الهجوم، وهنا لست أتحدث عن الجميع، لكن بشكلٍ عام، ومن قراءاتي الكثيرة، التي جعلتني أنتبه إلى هذه الملاحظة، والتي جعلتني أبحث دوماً عما هو قديم لأنه الكنز الحقيقي لمن أراد التعلم والمعرفة.
سلاح القلم
إن كتّاب اليوم، إنقسموا بين من يريد الكتابة عن الأديان وبين من يريد الطعن بالأديان، وبين من جعل السياسة هدفه، والتحزب عنوان، فإن كان قومياً، كل كتاباته تصب في صالح القومية، وشعارات القومية، وإن كان يتبع حزباً إسلامياً، تشعر أن الجنة لهذا الحزب وكل من تبقى إلى النار، وأما إن أراد الكتابة عن سيرة ذاتية لشخصية ما “حاكم أو عالم أو مرجع”، إن كان يؤيده، لوصل المديح من المقدمة إلى الخاتمة، وبالعكس، لنسأل هنا سؤالاً مهماً، هل أصبح القلم “إستثماراً مشروعاً”؟
بدون أدنى شك، هناك الكثير من الأقلام الموجهة في أيامنا هذه، تميل مع ميل حكوماتها، وتوجه لضرب جهة معينة أو مدح أخرى، هذا ما حدث بمسلسل التطبيع، فتوجهت الكتابات نحو تجميل الواقع القميء من خلال العشرات من المقالات، وبالمقابل كان هناك سيلاً من الأقلام التي لا تزال تحافظ على خطها العروبي والعربي لتوعية الشعوب، لكن كيف يتحقق ذلك ونحن أمة لا تقرأ!
القديم الدائم
عند قراءة الكتب القديمة، ناهيك عن رائحة الورق وجمال البلاغة والمعاني وروح اللغة العربية التي تجدها في كتب الغزالي أو محمد باقر الصدر، وسيد قطب وأنيس منصور وغيرهم الكثير، كل واحد منهم عبّر عما يريد لكن كما يريد أن يحقق الغاية لدى الإرث الذي سيقرأه البشر، ليتحول هؤلاء ومعهم المئات من الكتّاب المغمورين إلى أساطير، وكتبهم الأكثر مبيعاً رغم رحيلهم، لماذا؟
لأن الإنسان كان غايتهم ووعظه وإرشاده هدفهم، لم يقبلوا نفيس الهدايا، ولا الجاه والمناصب بل أرادوا أن يفوزوا بما يبرعوا به فكان قلمهم هو السيف المسلط على رقاب المخطئين، ونظرياتهم أخذها الغرب ليستفيد منها في بناء أوطانه، بينما نحن لاهون لا نعرف إسم كاتب مغمور، أو ما هي مؤلفاته، فالقراءة هي زادنا وماؤنا، هي مستقبلنا وحاضرنا، هي حصننا المنيع لمواجهة كل الجهل والتخلف، فالأمية لا تعني عدم معرفة القراءة، الأمية هي الجهل بعدم الإستفادة من المكتبة العربية الثرية المليئة بخزائن المعرفة، ونحن منشغلون عنها بأمور الحياة.
إعزائي، لنجعل القراءة سلوك ومنهج في حياتنا اليومية، لنتسلح بها ونقوى، ونكافح ونغلب الجهل، يريد من يتربص بنا أن نبقى جهلاء، فدعونا لا نحقق لهم هذه الغاية، وأنتم أيها الكتّاب، إكتبوا بضمائركم وإنسانيتكم، فالكملة أمانة والقلم رسالة وأنتم مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى وأمام شعوبكم.
*عبدالعزيز بن بدر القطان – كاتب ومفكر.