بداية الكلام؛ نزجي الشكر لحكومة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظكم الله ورعاكم يا مولانا- فقد تفاعلت الحكومة مع الأزمة الاقتصادية بهذه السرعة، فاطمأن الشعب العُماني الأبيِّ لخطواتكم، وإن هذا التفاعل السريع مع تساؤلات حول الحالة الاقتصادية، فهو دليل تشارككم للنَّاس في الاهتمام، وهو ما سيجعل المواطنين يشعرون أنَّ سلطانهم الهمام قريب جداً منهم، وإن جلالته يُراقب الوضع عن كثب، لذلك يُسارع بالمعالجات الضرورية في وقتها المناسب، وإن الشعب العُماني وجد ضالته في هذه الشفافية التي تمَّ الإعلان عنها، وإنه من جانبه أي (المواطن) سيلزم نفسه بمعاضدة الحكومة من تلقاء نفسه، وأيضاً سيطمئن المستثمر على استثماراته، طالما كانت الرؤية واضحة، والخُطط المستقبلية قوية وآمنة، وإن الأوضاع العُمانية متينة وتحت السيطرة، والرقابة اللصيقة من قبل الجهات المسؤولة في الدولة مطمئنة، وإن هذه الرقابة ستكون فاعلة ومجدية، وإن الخطط البديلة ستعمل على تصحيح المسار، كلما دعت مقتضيات الحال إلى ذلك.
لكن خطط التنمية في الاقتصاد الأخضر ربما يشوبها الغموض بعض الشيء، لذلك نأمل من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، أن تبشِّرنا بما يسرّنا ويثلج صدورنا، خاصة وقد أرتدت ثوبها القشيب في التشكيل الوزاري الجديد، وتم تقريب الحطب من مرجل الطبخ كما يقال في الأمثال، بمعنى أوضح جمعت الاختصاصات بالمختصين، لذلك نرجو أن تكون الأكثر قرباً من المزارعين الحقيقيين، حيث هناك مَزارع للمترفين مجرد إخضرار وهدر للتربة والماء، ولكن هناك مزارع منتجة وفاعلة في تطوير الاقتصاد الأخضر، وإنما ينقص المزارعين الدعم الحكومي الفاعل، وكم تمنى المواطن لو أنه استغل جزءًا من أسطول السيارات الحديثة المُستخدمة في مراقبة مخالفات مصادر الري، وحُوِّل لتسويق المنتجات الزراعية والإرشاد الزراعي.
كما إن التخفيف من بعض التشدد في مواضيع مصادر المياه أمر مُهم، بحيث تعطى للناس الموافقات الضرورية في حفر الآبار، طالما تأكد للوزارة أن هناك جدوى من المزروعات، وأن يتم دعم المزارعين بتسويق منتجاتهم الزراعية، ودعمهم بالبذور الجيدة، والشتلات الإنتاجية، وأن تباع لهم هذه المواد، ولكن بأسعار رمزية، لأنَّ الذي يحصل عليها بالمجان، فإنه لا يتحفّز للاهتمام بها، وسيخص بها البعض دون غيرهم من النَّاس، فليس كل المسؤولين بعدالة عمر رضي الله عنه.
وكذلك إنَّ التوسع في إنشاء السدود يعتبر نوعاً من الدعم غير المُباشر للزراعة، وأن توضع الخطط السنوية لمُضاعفة عدد السدود على مجاري الأودية، وقد أثبتت جدواها بالتجربة والبرهان، فإن السدود مفيدة جداً في تخزين المياه في باطن الأرض، وقد استفادت منها آبار كانت تجف قبل إنشاء سدود في منطقة ما، وليس المقصود منها تلك الآبار البعيدة، كما إن بحيرة سد ضيقة المحبوسة خلف ذلك الجدار العظيم، من الممكن لها أن تروي الآلاف من الأفدنة الزراعية، وذلك متى ما فُكِّت ضيقة هذا السد بتصريف مياهه في أنابيب أو قنوات إلى أماكن مجاورة أو بعيدة، وقد سبق وأن كتبت مقالة عنه نشرتها في جريدة عُمان عام 2015م بعنوان “حوض وادي ضيقة .. ألا من يفرِّج ضيقته؟!” ولكن ما من مستجيب للأسف الشديد.
إن استيراد الخضروات والفواكه من خارج السلطنة أصبح الأسهل، ولكن أتت الرسالة الربانية في (فيروس) وقفلت أبواب العالم أمامنا، فعندما وقع السبب عرفنا متأخراً أهمية الاعتماد على الذات، ومن هذا المنطلق يتوجب علينا تأسيس قاعدة زراعية وطنية، فلو حدث شيء ما مشابهاً لهذه الأزمة، وإن تغيرت الأسباب والمُسببات فلن نموت جوعاً، وبما أننا كـ”عرب” قومٌ نحب التناسي والتجاوز وإمهال النفس، فسرعان ما ننسى الأزمات والمخاطر التي حاقت بنا في الماضي، وحتى لا تتكرر الأخطاء نفسها، علينا أن ننشئ قاعدة للإنتاج الزراعي، وهذه القاعدة التي نُطالب بها تحتاج إلى مبادرات من الناس، ودعما ماديا ومعنويا من الحكومة، فليس في المسألة غالب ومغلوب، طالما المستفيد هو الشعب العُماني وحكومته العُمانية، أقصد ليس هناك خسارة إذا أُخرجت بعض الملايين من الخزينة العامة، ويممت نحو الدعم الزراعي والسمكي، فهناك شركات حكومية أدمنت الخسائر السنوية، ومع ذلك مُستمر دعمها لخاطر عُمان، وما نُطالب به – بإذن لله – ليس فيه خسارة حتى لو أشبعت الزارع نفسه.
إنَّ عُمان غنية بأرضها وجغرافيتها وموقعها، وعُمان التي دعا لها سيد الثقلين وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، إنِّما في ذلك دفع معنوي كبير لأهل عُمان، وذلك للجد والعمل واعتزاز وفخر كبيرين، حيث خصهم نبي الله بهذه الإحاطة الربانية، لكن قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}الأنفال [53] إذن علينا أن نعود إلى الله ونعمل بنهجه القويم، وأن نعمل خيراً كما أمرنا ربُّنا، وأن نترك اللهث خلف أعداء الله، فإنَّ الخير والشر يسيران على خطين لا يلتقيان أبداً، فلا يجمع الشر مع الخير لأنَّ الخير لا يقبل بالمشاركة، إذن فلنحسن النية في عملنا، ونهتم بحماية عُمان من الأشرار والأضداد، أكانت داخلية أو خارجية، فلنكن سداً منيعاً وبأعمالنا حامين لعُمان.
حفظ الله عُماننا الغالية وسُلطاننا الفذ الأمين الحكيم جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم الأمين على النَّهضة والأمة العُمانية وربان سفينة هذا الزمان، وفقه الله وسدَّد على طريق الخير خطاه.. وإلى اللقاء في ديسمبر المُقبل بإذن الله.
حمد بن سالم العلوي