لا شك أنَّ قرار الحكومة بالتوجه نحو الإعلان عن خطة متوسطة المدى عمرها 4 أعوام لتحسين وتفعيل المناخ الاقتصادي؛ من خلال خطة التوازن المالي، سوف يُخرج الحكومة -في حالة الالتزام بهذه الخطة، والتي جاءت على خمسة محاور- كما يقول المثل “من عنق الزجاجة”.. الحكومة الرشيدة لجأت إلى هذه الخطة لأنها تدرك أن التحديات المالية والاقتصادية ستشد وتقوى عودها خلال السنوات الخمسة المقبلة، وكان لابد من التفكير بصوت مرتفع نحو آليات جديدة تساعد وتُسهم في الاستقرار في بيئة آمنة على أقل تقدير لمدة عامين أو ثلاثة أعوام حتى يتعافى الاقتصاد ونعود إلى المربع الأول بتخفيض الدين العام، والوصول إلى موازنة متزنة. ولا شك أنَّ المواطن سيكون شريكًا في تحقيق وإنجاح هذا المشروع.
وفي اعتقادي، وأرى من خلال المعطيات، أنه يجب على الحكومة وَضع خطة في المقابل لدعم التوازن المالي للمواطن، وأجزم بأنَّ هذا المواطن لديه من الدراية ما يعينه على كيفية التخطيط لتوزيع دخله البسيط، الذي يتوزع على مصروفات ضرورية من مأكل ومشرب ودفع رسوم الكهرباء والماء والهاتف، ومصاريف أخرى تتمثل في أقساط السيارة وأقساط بنكية، وما تبقى يكون دخلا يساعده في تدبير معيشته، أرى أنه من العدالة الاجتماعية ونحن نُطبِّق خطة التوازن المالي أن تقوم الحكومة بتخفيض أسعار بعض الخدمات الأساسية التي تُثقل كاهل المواطن، خاصة أصحاب الدخول البسيطة والمتواضعة، كما أنَّ هناك مجالات يمكن للحكومة أن تتحرك من خلالها في رفد خزينة الحكومة بإيرادات متحققة، وهنا أتحدث عن التحويلات المالية التي تحوَّل من قبل الأجانب وتصل حسب البيانات الرسمية إلى نحو 4 و5 مليارات سنويا، وهذا مبلغ كبير يُمكن أن يرفد دخلا سنويا لخزينة الحكومة، في حالة تطبيق ضريبة هامشية على التحويلات المالية ولتكن 2%.
وأعتقد أنه لابد من تشجيع الوافدين لاستثمار أموالهم في السلطنة، والخطوة التي اتخذتها الحكومة -مُمثلة في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني- بالسماح للأجانب بتملك شقق في أماكن محددة، خطوة مهمة للمحافظة على هذا المال، للاستقرار في البلد، وكنت أتمنى أن يكون القانون أكثر مرونة؛ بحيث يسمح للأجنبي التملك في حالة رغبته، ولا يتم ربط التملك بعدد السنوات التي يقضيها في البلد، بل بما يملكه من مال وسمعة طيبة.
نجد أنه من الضروري ونحن نتحدَّث عن التوازن المالي تمهيد الطريق لجذب المال العربي المهاحر؛ فهناك أثرياء عرب لديهم الرغبة في تحويل أموالهم وإيداعها في عُمان؛ فبدلًا من الاكتفاء بالنظر إلى هذه الأموال ويتم تدويلها في البيئات الأوروبية، نجد أنَّ الضرورة تقتضي النظر بعين المنطق إلى منجز السلطنة في تصنيفها العالمي، واستثمار هذه التصنيفات لجذب تلك الأموال أو جزء منها على أقل تقدير، والتعامل معها على أنها ممكنة العودة بعد الهجرة طويلة الأمد، ما دام المناخ آمناً للاستثمار، وجاذبا للربحية، وتنافسيّا على مستوى التواجد في الأسواق المحلية، تماشياً مع الواقع الذي يستدعي التعامل مع هذه الأموال بثقة ومساحة من الحرية.
أسوق هذا الرأي باعتبار ما يحيط بالمنطقة -أوسطيا- من أزمات وحروب وعدم استقرار، إلا أنَّ ذلك يبقى شأناً داخليًّا في تلك الدول، فالسلطنة -في مقارنة سريعة- آمنة مطمئنة في مختلف السياقات التي تحمي المال القادم للاستثمار فيها؛ لذلك نأمل في القريب العاجل أن نرى التفاتاً جادًّا ومرناً، صيغة توافقية مع المستقبل، تتخذ من الموقف التصنيفي العالمي للسلطنة نقطة ارتكاز لما ينبغي صنعه حول جذب الأموال العربية والعُمانية المهاجرة، وفتح الأبواب لها بشكل جديد ومختلف، لتكون السلطنة البيئة الجاذبة لهذه الأموال لرفد الاقتصاد الوطني.
وبهذا التوجه، يُمكننا أن نحقق الأمان المالي الذي ننشده، وإلا علينا أن نشد الحزاق (الرباط أو السوار الغليظ)، فكلنا حكومة وشعبا نسير في مركب واحد، ويجب أن نعبر إلى محطة الأمان.
حمود بن علي الطوقي