لا يخفى على أحد في عماننا الحبيبة موضوع خطة التوازن المالي التي تنفذها الحكومة خلال الأعوام من ٢٠٢٠ حتى ٢٠٢٤ م و نظرًا لأن هذا الأمر أصبح مادة دسمة للخوض فيه عبر مختلف المساحات الإعلامية الرسمية و غير الرسمية و عبر مواقع التواصل الاجتماعي لذلك وجب علينا أن نفهم الأمر انطلاقًا من مبدأ الشراكة بين الحكومة والمواطن كون الخطة منه و إليه .
في البداية يجب أن نعي أن (حدوتة) التضاؤل الاقتصادي ليست بالشيء الجديد في دورات الدول و الحضارات ففي القرن الماضي حدث الإنهيار المالي الكببر عام ١٩٢٩ م كأثر للصراع بين الرأسمالية و الماركسية و هناك الإنهيار المالي في مطلع القرن الحالي عام ٢٠٠٨ م والذي سجل ضياع أربعين تريليون دولار من قيمة أسهم الاقتصاد العالمي و تأميم أكبر مؤسسات الرهن في أمريكا و إفلاس شركة ليمام برذرز و اختفاء البنك الإستثماري و غير ذلك من الأمثلة و يكفيك أن تخوض جولة (فانتازية) فيها لتزداد فهمًا و عمقًا لمسببات الهبوط الاقتصادي التي مست حتى أعظم المؤسسات المالية الناجحة عالميًا .
و إذا رجعنا إلى أصل (الحدوتة) من الجانب الإقتصادي طبعًا سنرى أن تراجع أسعار النفط منذ عام ٢٠١٤ و استمرارها في ذلك حتى الآن و الذي عليه قامت الحكومة بالعديد من الإجراءات مثل خفض مصروفات الوحدات الحكومية و خفض المصروفات الإستثمارية و زيادة مصادر الإيرادات غير النفطية للتخفيف من تأثير ذلك إلا أن استمرار الأزمة جعل المضي في الاستمرار بمعادلة استيفاء متطلبات التنمية و الخدمات صعبًا مما أدى إلى تراكم معدلات العجز السنوية الكبيرة التي تعالج بالاقتراض و السحب من الاحتياطيات ليرفع إجمالي الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة و ليؤثر سلبيًا على المؤشرات المالية للدولة كارتفاع مخاطر الإئتمان و التصنيف الإئتماني للدولة .
و جاءت جائحة كوفيد١٩ بتأثيراتها الاجتماعية و الاقتصادية لتزيد تفاقم الوضع المالي للدولة في ظل خطورة الاستمرار في الاقتراض من حيث التكلفة المقابلة له و خير مثال نطرحه لخطورة نهج الاقتراض هو دخول الصين إلى السوق الأمريكية – كونها أحد الدائنين للولايات المتحدة الأمريكية – و محاولة السيطرة على مفاصل الإقتصاد الأمريكي في إطار خطة الصين الواضحة و التي توصف بالنهضة الصينية الخارجية و هنا تكمن خطورة الإقتراض و ارتفاع الدين العام حتى لو توفرت الأموال اللازمة من قبل الدائنين الذين سيسعون إلى توفير القروض المطلوبة لعلمهم بالمكاسب التي سيحققونها لاحقًا .
و ما دام حديثنا عن الصين كأحد بوابات الإقراض فهي أيضًا تعد نموذجًا رائعًا في ما يخص الإدخار و الإتزان المالي فمدخراتها تقدر بتريليوني دولار و هذا لا يتعلق بموروث ثقافي (كونفوشيوسي) بل بسياسة حكومية تدعم الموقف المالي لها – على مستوى الحكومة والأفراد – عند تعرضها لأي نكسة مالية محتملة قد تكون السبب فيها و قد و لا تكون .
و عودًا إلى (حدوتة) خطة التوزان المالي التي نخوض فيها هنا و التي جاءت للوصول بالوضع المالي إلى مستوى الاستدامة للتنمية و الخدمات مع تنفيذ إجراءات اقتصادية مبرمجة لتحسين بيئة الأعمال و تحفيز الاستثمار و تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية و كما قلنا أن الخطة هي للمواطن و إليه و منه فذلك لا يعني أن يكون المواطن عاملاً متأثرًا بل يراد منه التأثير و أن يتكيف و يكيف نفسه و ما حولها في إعادة النظر في السياسة المالية له فذلك مما سيخفف أي تاثيرات قد تناله خلال سنوات تنفيذ الخطة.
(وتوتة توتة خلصت الحدوتة)
محمد سيفان الشحي
٢٣ نوفمبر ٢٠٢٠ م