ليس عجباً أن نُشبّه النهضة العُمانية المُتجددة في ظل القيادة الرشيدة لجلالة السُّلطان الأمين هيثم بن طارق المُعظم – حفظه الله ورعاه – بالعشق والهيمان في حب عُمان، وأن نعتبر الحادي عشر من يناير إكمالاً لعامين من العشق الممارس فعلياً، وليس معنى هذا أن جلالته- أعزَّه الله- لم يكن مهتماً بالشأن العُماني من قبل هذا التأريخ إلى درجة العشق؛ بل كان هو الأمين على عقل عُمان وقلبها وذاكرتها العميقة، بدليل رعايته عن كثب للتأريخ والتراث والثقافة العُمانية، من خلال توليه المسؤولية المباشرة على وزارة التراث والثقافة.
فقد عاش كنه عُمان ولبّها الأصيل، فهذان المكونان الرئيسان للشخصية العُمانية والمتميزة بسمتها ورصانتها على مرِّ السنين، وكما أكد من خلال اللقاءات بالمشايخ والرشداء في حصن الشموخ على تربية الأبناء على الموروث الجيِّد من العادات والتقاليد الحميدة، بما يُحصّنهم من غث التيارات الهدامة، فإنَّ الخطاب السامي لجلالة السُّلطان هيثم المعظم- أدام الله عزه- بمناسبة الذكرى الثانية لتوليه مقاليد السلطة بالبلاد، فقد أكد كذلك في الحفاظ على القيم العُمانية الأصيلة المتوارثة، إلى جانب البشائر الكثيرة التي زفها إلى الشعب العُماني من الخير العميم في القادم من الأيام.
إنَّ الذين لفت نظرهم السلوك الحصيف والمُؤدب جداً لصاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد، وهو ليس فقط وزير الثقافة والرياضة والشباب، وإنما بحكم النظام الأساسي للدولة “ولي العهد لسلطنة عُمان” فعندما حضر مُناسبة تقديم هدية شرطة عُمان السلطانية إلى مقام جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم، ظل صاحب السُّمو السيد ذي يزن يرقب من على بعدُ خطوات التعريف بتلك الهدية، ولم يُزاحم في الاقتراب، فهكذا هو خلق سلاطين عُمان وسجايا السَّادة البوسعيديين على وجه العموم.
إذن؛ هكذا كان دأب صاحب الجلالة السُّلطان هيثم قبل أن يكون سلطاناً على عُمان في الحادي عشر من يناير عام 2020، فلم يكن هاوٍ للظهور والتميُّز، رغم أنَّ السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- كان يُكلفه بمهام خاصة جدًا دون سواه، ومنها تكليفه بإعداد الرؤية المُستقبلية “عمان 2040″، ولكن مع ذلك لم يسعْ لتمييز لنفسه حتى يكتسب بريقا خاصا به، وكان الشيء الذي هو واثق منه، أن السلطة تكليف ومسؤولية، وأن تتابع بها حكم السلاطين البوسعيديين لعُمان، ظلت على الدوام رغبة يحرص عليها ويُقدرها الشعب العُماني، فقد جنّبت حكمتهم عُمان الفرقة والاختلاف، وقد أنعم الله على يديهم بالسيادة المستمرة لعُمان والاستقرار والطمأنينة.
إن الجولات السامية والالتقاء بالمشايخ والرشداء في طول البلاد وعرضها، إنما هو نهج أصيل دأب عليه سلاطين عُمان عبر تاريخها الطويل، وإن كان التاريخ العُماني المعاصر، قد سجل للسلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- رعاية حميمة خاصة لنشأة الشورى العُمانية الحديثة، وذلك عبر تدرج مبارك ومدروس كلل بالنجاح الكبير، إلا أنَّ جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- قد انتقل بالشورى إلى خطوات جد حثيثة ومتقدمة، وذلك عندما خصص موازنة خاصة للمُحافظات، وأعطى صلاحيات واضحة لأصحاب المعالي والسعادة المحافظين واستقلال في اتخاذ القرار، ودور فاعل لأصحاب السعادة الولاة والمشايخ والأعيان، وكذلك المجالس البلدية في المحافظات، وبذلك نبّه إلى ضرورة تفعيل الجمعيات التخصصية في المحافظات، بحيث يقوم كل مسؤول بمسؤوليته، وأن يكون للجميع قيمة معنوية وأدبية، مقدرة بقدر الجهد والنشاط والتفاعل المجتمعي من قبل الجميع.
إنَّ إعطاء المحافظات قدرا معينا من تولي إدارة الذات، إنما هو قدر متقدم من الديموقراطية الشورية العُمانية الخاصة، وسيعطي مستوى جيداً من النشاط والحيوية، وذلك بجعل الناس تتحمل المسؤولية والتمرس عليها، وهي فيها فضيلة التنافس الشرّيف فيما بين الأفراد والجهات الإقليمية التي ينتمون إليها، وسوف يفاخرون بما ينجزون، وخاصة تلك الخدمات العاجلة، التي يتم تحقيقها لمستحقيها بالسرعة النسبية عما كان عليه الحال من شدة التأخير من قبل، وسوف يكون هذا التنافس الحميد بدءًا بين ولايات المحافظة الواحدة، ومن ثم التنافس بين المحافظات المجاورة، وقد لا يكون التنافس عادلاً إذا قيس بفارق الإنتاج؛ لأنَّ لكل محافظة مقوماتها وقدرتها مختلفة، وذلك حسب قوتها الاقتصادية الحالية، ولكن يُقاس التفاعل لكل محافظة على نفسها، ومدى التقدم التنموي السنوي فيها، والفارق بين العام والذي يليه، وهكذا دواليك.
إذن تنتفي هنا الإتكالية بتلاشي المركزية المُركَّزة، والتي كانت متمحورة في مركز العاصمة مسقط، وكان النَّاس في الأقاليم يقومون بدور المُبلِّغ وحسب، ويجوز لهم التنصل من أية مسؤولية في المتابعة والتنفيذ، وذلك بدعوى انتظار تلقي التعليمات والتوجيهات من مركز القرار في مسقط، وتمرُّ السنون تلو السنين دون أن يتحقق النمو المطلوب للمحافظات، ولكن هذا القرار الحكيم من لدن المقام السامي- أعزَّه الله وأمد في عمره- سيحدث ثورة اقتصادية وتنموية كبيرة في كافة المحافظات، وخيرًا عميمًا يشمل عُمان كلها بالتطور والازدهار، وسيشعل مسار التنافس الجميل بين كافة المحافظات في الإنتاج المتنوع، وسيكون هناك تكامل جاذب نظرًا إلى اختلاف البيئة والجغرافيا والمناخ بين المحافظات، وذلك بحسب الطبيعة العُمانية.
إنَّ الجرأة في إعطاء الصلاحيات والاختصاصات تُحسب إلى جلالة السلطان هيثم المعظم، صاحب هذا القرار الريادي والحكيم والذي دعّمه هذا العام، برفع قيمة الموازنة المالية، وبتوضيح الأهداف السامية من وراء ذلك، والأمر المهم والحاسم، أنَّ المساءلة والمحاسبة ستكون قرينة بكل نشاط على حدة، وأن هذه الرقابة سترفع تقريرها إلى جلالة السلطان مباشرة..
حفظ الله جلالة السلطان الأمين هيثم المعظم، وأيده الله بنصره وتوفيقه، وأنعم الله على عُمان وشعبها الأبيّ بالخير الوفير، وكل عام والجميع بنعمة وعافية.
حمد بن سالم العلوي