عمّان في 17 يناير /العمانية/ في عام 1948 هُجّر الفنان أحمد نعواش من قريته الفلسطينية “عين كارم” بعد اجتياحها من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، وإذا كان غادرها –ولو مكرَهًا- فإنها لم تغادره لحظة، فظهرت تجليات هذا الاجتثاث القسري في أعماله الفنية التي أنجزها على مدى عقود طويلة حتى رحيله عام 2017.
حملت أولى لوحات نعواش عنوان “صلاح الدين”، في إحالة رمزية إلى القائد الذي يستعيد الأرض المحتلة ويُرجع الحق لأصحابه، وقد أنجزها وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، ومنذ تلك التجربة اكتشف نعواش أن طريقه للتعبير عن قضيته لن تكون سوى بالفن المقاوِم.
درس نعواش في أكاديمية الفنون الجميلة في روما، ثم التحق بكلية الفنون الجميلة ببوردو (فرنسا)، وبعدما عاد إلى الأردن، قرر أن يواصل تجربته ويطبق ما درسه من خلال إنجاز الأعمال الفنية التي ترتبط بقضايا محيطه وتتأثر بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيه، أبرزها ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم، وقد استعان للتعبير عن ذلك برموز تشير إلى الحرب والمقاومة مستخدمًا تقنيات الرسم الزيتي والليثوجراف (الحفر على الحجر الطباشيري).
كان نعواش يميل في لوحاته إلى رسم الشخوص بشكل غير واقعي وبنسب محوَّرة، فالأطراف ليست في أماكنها الطبيعية، وكذلك الأقدام والرأس أو الرؤوس، بل إن عددها ليس عددا طبيعيًا، فقد يحمل الرأس الواحد ثلاثة أذرع وأربعة أقدام، وقد يكون له عين واحدة أو ثلاث.. وكان لاعتماد هذا التشكيل ارتباطٌ بإحساس الغضب والحزن والفقد الذي كان يسعى الفنان للتعبير عنه وهو يشاهد المآسي المتعاقبة على شعبه.
لهذا، يجد المشاهد لأعمال نعواش تكرارًا لعدد من الرموز في غير لوحة، كالعلَم الفلسطيني الذي يشير بشكل واضح للمقاومة، والحيوانات المحدّدة كما في لوحته “الرجل والأسد” التي جعل فيها الأسد خاضعًا أمام الرجل للتعبير عن قدرة الحكمة والعقل في التغلب على التوحش والافتراس، أو البندقية التي ترمز للمقاومة وردّ الظلم، وقد استخدمها بديلًا لليد في بعض اللوحات، لأن اليد الخالية كما كان يرى لا تستطيع فعل شيء بمفردها.
في بداياته الفنية، اعتمد نعواش على الألوان القاتمة، وعلى المزج بين الألوان الموحلة، وفيما بعد بدأت المساحات اللونية الزاهية تحتل سطوح أعماله، وعلى غير المتوقع، فقد كان سبب التوجه نحو الألوان الزاهية هو الإحساس بشكل أكبر بالمعاناة والألم، وهذا ما تؤكده التشكيلات البصرية التي جاءت قوية ودموية ومؤلمة بشكل لا يوصف، إذ كثيرًا ما اعتمد الفنان على قوة التضاد وعنصر المفارقة وقلب توقعات المشاهد لأعماله بهدف التأثير على مشاعره وفتح المجال للتساؤلات والأفكار.
في خلفيات لوحاته، يعمد نعواش إلى المساحات الزرقاء والخضراء والأرجوانية التي تبدو كأنما هي تضاريس لمكان غير واضح المعالم، وكأن شخوصه تحيا في ذلك الفضاء اللوني اللامتناهي لتعبّر عن الإنسانية جمعاء.
ورغم ما تنطوي عليه أعمال نعواش من قوة في التعبير عن الألم والمعاناة، إلا أنها تفتح نوافذ من الأمل تطل على المستقبل، إذ كان هذا الفنان يرى أن تسليط الضوء على بؤر الظلم والاضطهاد في العالم هو الخطوة الأهم لتصحيح المسار، وإرجاع الحقوق لأصحابها، وعودة الأرض إلى شعبها.
/العمانية/
ع م ر