حان الوقت لتغيير بعض قوانين العمل الخاصة بعاملات المنازل، ونظام الكفالة، فالمواطن الذي قد يقترض مبالغ كبيرة لجلب عاملة منزل، ويتكبد الكثير من الجهد والإجراءات في سبيل إحضار إحداهن، لحاجته الملحة لهن، يجد نفسه في مصيدة نصبها لنفسه، وأن “مافيا” العاملات تنتشر بشكل لم يسبق له مثيل، مستغلين مبادئ حقوق الإنسان، والثغرات القانونية التي تتيحها عقود العمل والتي بات توثيقها ملزمًا لتنظيم العلاقة بين العاملة والكفيل، والتي تجعل “العصمة” في يد العاملة بحجة حمايتها، وتجرد الكفيل من كل حقوقه تقريبًا، وتجبره على الرضوخ لشروط العاملة التي قد لا يكون لها مثل هذه الحقوق والميزات في بلدها الأصلي، ولكنها تجدها وأكثر في دولةٍ تخشى من انتقاد مُنظمات حقوق الإنسان، أكثر من حرصها على حقوق مواطنيها.
فعاملة المنزل التي تأتي وهي لا تعرف ألف باء الطبخ، أو التعامل مع الأسر، والتي تحلم بالخروج من دائرة الفقر المُدقع في بلدها، ثم تأتي إلى “أرض الأحلام” بالنسبة لها، لتجد الدلال والراحة والحقوق التي لم تحلم بها يومًا، من هاتف، وسكن، وإجازة عمل، وراتب تحدده سفارة بلادها لا يستلمه موظف كبير ومؤهل في موطنهم، وبعد هذا كله وبعد أن يستقر بها المقام، وتفتح عينيها على النعيم الذي تعيشه، تمتنع عن العمل، وتتمرد على صاحب المنزل، ويجد الكفيل نفسه دون حقوق، وأنه هو من يحتاج إلى كفيل، فليس من حقه إلزامها بالعمل، وليس عليها حتى إرجاع المبلغ بعد مضي مدة كفالة مكتب جلب العاملات؛ بل يجد الكفيل نفسه مضطرًا لتسفيرها على حسابه، وخسارة ماله وجهده ووقته وأعصابه، أو التنازل عنها لكفيل آخر، إن رغبت هي في ذلك.
ولعل “مافيا العاملات” أصبحت منتشرة بشكل واضح؛ حيث يتم الاتفاق بين مكتب جلب العاملات وبين العاملة، على أن تؤدي الأخيرة وظيفتها حتى تنتهي مدة الكفالة، والتي لا تتجاوز 6 أشهر كأقصى مدة، ثم بعد ذلك تتمرد على الكفيل بأي حجة، ككبر المنزل، ورغبتها للانتقال إلى بيت صغير، أو عدم رغبتها في وجود أطفال، أو كثرة العمل، أو غير ذلك، وبالتالي تنتقل إلى كفيل آخر، وهكذا تستمر على نفس الأسطوانة؛ بل إن الأدهى من ذلك أن بعض السفارات دخلت على الخط، وبدأت التدخل بحجة حماية العاملة؛ حيث تلجأ بعض العاملات إلى سفارة بلادها، ليس بسبب ضربٍ أو إساءة معاملة تتعرض لها من صاحب المنزل؛ بل لأنَّ العاملة المدللة لا ترغب في العمل لأسباب تافهة، لا علاقة لها بالعقد الموقع بين الأطراف، ولا أدري لماذا تقوم بعض السفارات بمثل هذا التصرف الخارج عن العرف الدبلوماسي، فمن المعروف أنَّ السفارة تتدخل في الحالات الطارئة التي تعترض مواطنيها، وليس في تسهيل هروب عاملة، أو انتقالها من كفيل إلى آخر دون مسوغات قانونية، وهذا ما يتطلب من وزارة الخارجية العمانية وقفة حازمة وحاسمة معه؛ لوقف مثل هذه التصرفات غير المبررة، خاصة إذا لم يكن هناك ما يستدعي تدخل تلك السفارات، أو في حال هضم حقوق مواطنيها المالية والمعنوية، أو تعرضهم للخطر، وإلا فما الداعي لوجود وزارة للعمل معنا منوط بها تنظيم العلاقات العمالية، والبت في الشكاوي والقضايا التي تنشب بين العامل والكفيل.
لقد أصبح لجوء العاملات لسفارات بلادهن دون مُبررات قانونية أمرًا شائعًا؛ حيث يتم توفير “الحماية” لهن، وتسهيل أمور تمردهن على صاحب العمل، وهضم حقه دون وجه حق، وهذا يقع في بلاد لها سيادتها وقانونها وتنظيماتها التي كفلت حقوق الجميع على حد سواء، كما إنَّ على وزارة العمل أن تستصدر قانونًا يضمن حقوق الكفيل، كما يضمن واجبات وحقوق عاملة المنزل، قانونًا رادعًا ومُلزمًا، كي لا يكون المواطن دائمًا هو الضحية والخاسر الأكبر، بحجة الخشية من تفسير الآخرين لحقوق العمال لدينا، حتى ولو كان ذلك على حساب حقوق أهم يجب مراعاتها، وهي، حقوق المواطن العماني.
مسعود الحمداني