منذ سنوات وأنا أشارك في تغطية انعقاد القمم الخليجية التي تعقد مناوبة في كل عاصمة خليجية، وأحمل مع هذه القمم ذكريات جميلة مع الإخوة الزملاء؛ حيث كان انعقاد القمم الخليجية بمثابة حلقة الالتقاء بين الزملاء الإعلاميبن من مختلف الصحف والقنوات، غير أنَّ هذا العام أغيبُ عن تغطية أعمال القمة بسبب ظروف جائحة كورونا، لكني سأكون مشاركاً ومتابعاً لأعمال القمة الـ41 لدول مجلس التعاون، والتي تنعقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية اليوم، في ظروف استثنائية.
سيختفي في هذه القمة السلام بالخشوم وستتصدر المشهد الكمامات التي ستخبئ الوجوه.. هذه القمة التي تحتضنها محافظة العُلا شمال غرب المملكة تنعقد بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وبمشاركة دول المجلس، لكنها تنعقد وسط ترقب من الشعوب الخليجية لطي صفحة الخلافات القائمة وعودة الروح الخليجية إلى عهدها السابق. ولا شك أن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم من تفشي جائحة كورونا وتدهور الاقتصاد الخليجي لهي فرصة لطي الخلافات التي تسببت في مقاطعة الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومملكة البحرين لدولة قطر، لثلاث سنوات ونيف، وأجزم أنَّ الشعوب الخليجية تتطلع لنتائج هذه القمة التي أحب أن أطلق عليها “قمة المصالحة”، نظرًا للعديد من المُعطيات التي تحمل دلالات بأن “قمة العلا” ستطوي الخلافات بإذن الله.
وقادة دول المجلس لديهم هذا الشعور بأهمية الحفاظ على مجلس التعاون كمنظومة مُتماسكة ويحدونا الأمل كأبناء دول المجلس أن نشهد عودة العلاقات بين أبناء الخليج من جديد وأن هذه القمة تعطي مؤشراً قوياً على أن اللحمة الخليجية ستظهر بعودة الأشقاء إلى عهدهم السابق ماضين بقطار المجلس إلى بر الأمان.
أجزم كمتابع للشأن الخليجي أنَّ هناك انفراجاً قادماً وتنازلات وعودة المياه إلى مجاريها وبأن تعقد القمة الـ41 لتكون ناجحة وتعيد البوصلة الخليجية كما كانت في عهدها السابق عندما كانت الأصوات تشدوا بحماس “خليجنا واحد.. شعبنا واحد”.
بُذلت العديد من الجهود على مدار فتزة المُقاطعة ولا شك أنَّ كل من سلطنة عُمان ودولة الكويت كانتا تقفان وتهيآن الأمور لأجل هذا اليوم وخير دليل على ذلك أن الاجتماعات والمشاركات الرسمية بين دول المجلس لم تنقطع طوال الأربعة عقود الماضية. وهذا مؤشر على أن هذه القمة ستكون مصدر عودة قريبة للعلاقات بين الأشقاء في دول المجلس خاصة وأن التكتل الخليجي ودول المجلس أصبح محطة أنظار العالم نظرًا لما تتمتع به من مكانة دولية وثروات طبيعية وبشرية.
أقول كمواطن خليجي اتطلع كغيري من أبناء هذه المنطقة لأن نرى أعمال القمة، وقد حققت النجاح المنشود لنغلق أمام المارقين والحساد والناشرين للفوضى والداعين لعدم استقرار منطقتنا وحتمًا التحدي سيكون هو التمسك باللحمة الخليجية وهذا التمسك سيربك الغير، فكما خطط من قبل الغرب لإطلاق الفتنة وتعزز ذلك بنجاح رؤية كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق) بإطلاق مشروع الفوضى الخلاقة التي عصفت بالدول العربية وانتشر مشروع الربيع العربي ولم نجنِ من هذا الربيع سواء الدمار والخراب.
الدول العظمى ستجني من تفككنا النجاح ويجب علينا أن نعي أن مصلحتنا المحافظة على هذا الكيان الذي جاء بقرار سُطر بماء من ذهب عندما قرر زعماء دول مجلس التعاون انعقاد أولى قممهم في أبوظبي عام 1981. وعلى مدار هذه السنوات أقيم العديد من التحالفات العربية ولكنها فشلت وظل التماسك الخليجي الأفضل بكل المقاييس؛ فقد استطاعت دول المجلس أن تحقق العديد من المنجزات على مختلف المستويات وظل الإنسان الخليجي هو هدف التنمية. لهذا يجب أن ينظر إلى قمة الرياض اليوم بأنها الربان الذي سيقود السفينة إلى بر الأمان، ومن الرياض يجب أن تتوافق الرؤى وحتى إذا ظلت الخلافات، لكنها يجب أن تؤجل وتُرحل لتُحل بشكل تدريجي وحتماً ستتوافق الرؤى وتتشابك الأيادي لكي تمضي السفينة الخليجية بحماس حاملة علامة الوحدة الخليجية التي هي نبراس لكل مواطن خليجي.
تحديات كبيرة للم الشمل الخليجي ولكن هناك بوارق الأمل لكي يتجاوز الأشقاء ويتحدون من أجل غد مشرق أفضل.
سلطنة عُمان كانت ولا تزال تدعم كل ما هو مهم ومفيد من أجل الوحدة الخليجية ومواقف السلطنة واضحة ومعلنة ومشاركة السلطنة اليوم في أعمال القمة بوفد رسمي يترأسه صاحب السُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، سوف يدعم الرؤية التي من أجلها أنشئ التكتل الخليجي، لذا نتطلع أن تشهد مناقشات القمة ما فيه مصلحة الشعوب الخليجبة وكلنا على وفاق أن تبقى المنظومة الخليجية شامخة من أجل المواطن الخليجي الذي ارتبط بهذه المنظومة ارتباطاً وثيقاً كتعلق الطفل بالحبل السري.
النشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي أشعلوا تويتر بوسوم عن القمة الخليجية وكانت الوسوم كلها مشجعة رغم مداخلات بعض الأسماء النكرة التي تحاول أن تعكر صفو حماس النشطاء من مُختلف دول المجلس وتماشياً مع هذه الوسوم أطلقت وسماً على حسابي في تويتر نال استحسان العديد من المُتابعين وقلت في تغريدة ”ويش رأيكم كشعوب ومواطني دول المجلس ونحن نستقبل تباشير القمة الخليجية، أن نساهم في نشر المحبة والإيجابية ونبتعد عن السلبيات وندعو إلى ما يقربنا هذه دعوة من عُمان لنفعّل هذا الوسم #القمة_الخليجية_بالرياض #قمة_المصالحة”.
ومن أعماق قلب كل مواطن خليجي، ندعو بكل صدق أن تحقق هذه القمة النجاح، ويعود الخليج كما كان ويعود المواطن الخليجي محباً لأخيه ويُقابله بالعناق.
حمود بن علي الطوقي