إقرار جهاز الاستثمار العماني في ترشيد رواتب ومزايا موظفي الشركات الحكومية أراه خطوة صحيحة ليس هدفها التنمر أو نتيجة ردة فعل سلبية ضد الشركات الحكومية، بل العكس تماماً، لها أبعاد ذكر بعضها ولم يذكر البعض الآخر، وفي هذه المقالة سيتم استعراضها قدر الإمكان، وأهمها:
– العمل وفق الأسس التجارية: من المعروف أن كثيراً من الشركات الحكومية تقدم خدمات، على سبيل المثال شركة مواصلات أو الطيران العماني أو العبارات البحرية، فمن الصعوبة توقف الدعم الحكومي عنها فجأة، وبما أن الحكومة مستمرة في تقديم الدعم السنوي، فعليها أن توازن بين معادلة الدعم الحكومي السنوي المقدم ومصاريفها التشغيلية ومنها الرواتب والمزايا الوظيفية، هناك فرق بين الشركات المدعومة والشركات الداعمة لخزينة الدولة.
– المراجعة الشاملة: تضخم بشكل متنامٍ مفهوم الشركات الحكومية بعد عام ٢٠١١م، فأصبح لكثير من الجهات الحكومية أذرع استثمارية، ومنها تفرخت شركات من الشركات الأم، فأصبحت تنافس بعضها بعض من ناحية، وتنافس القطاع الخاص المستقل من ناحية أخرى، تضخمت وتضخمت معها الرواتب والمزايا الوظيفية، لذلك فإنَّ هذا الوقت العصيب هو الوقت المناسب لمراجعة شاملة وتفنيد كل شيء وإيقاف أي هدر مالي أو إداري.
– المحافظة على المال العام: هناك هجوم متواصل وملحوظ منذ شهر مارس 2020 على المزايا والمرتبات في الشركات الحكومية في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وسرد لقصص التغيير الحاصل لكثير من الموظفين من جهة حكومية وانتقاله إلى ما يسمى بالذراع الاستثماري وتغير مزاياه الوظيفية إلى أرقام مضاعفة أضعاف وضعه السابق، وقصص أخرى عن المحسوبية والمجاملة للبعض الآخر، وتدخل الجهاز الآن هو لتصحيح الأوضاع ووضع الأمور في نصابها قدر الإمكان وإيقاف التنمر الحاصل ضد هذه الشركات ومعالجة هذا الملف معالجة جذرية.
– العدالة وتقليل الفجوة: صدر في الأيام القليلة الماضية ضبط المصروفات وتقليل وإلغاء بعض البدلات لموظفي القطاع الحكومي، فكان لابد ومن باب العدالة وتقليل الفجوات إقرار ترشيد الرواتب والمزايا الوظيفية لموظفي الشركات الحكومية حسب القطاع وحسب حجم العمليات وحسب الأسس التجارية وحسب ظروف السوق العماني.
– نسبة وتناسب: الرواتب والمزايا تكون واقعية ومبررة ووفق الإنتاجية والربحية وتجاوز الربح المستهدف وإيقاف الخسائر التجارية وتقليل نسبة الدعم الحكومي السنوي بنسب كبيرة سنة بعد سنة وحجم العمليات التي تعمل بها الشركة ونوعية القطاع وحجم المنافسة التجارية وحجم السوق العماني والعرض والطلب على الكفاءات وتوفر البدائل هي بعض من المعايير التي تبرر النسبة والتناسب في منح الرواتب العالية والإغراءات الوظيفية الأخرى.
– معالجة التشوهات الخفية: تدخل الجهاز سوف يعالج نقاط خفية كثيرة منها على سبيل المثال: تقليل المبالغة في هذه المزايا، وتقليل منافسة هذه الشركات مع شركات القطاع الخاص المستقل في استقطاب الموظفين الجدد أو أصحاب الخبرات، ونقل بعض النشاطات المتكررة والمتوفرة إلى القطاع الخاص المستقل لتقليل المنافسة غير الشريفة بين شركة حكومية مدعومة وشركة قطاع خاص ممول بنسبة إقراض عالية.
حجم المسؤولية كبير وإرث معقد ينتظر جهاز الاستثمار العماني، وسيجد كثيرًا من المقاومة والمبررات لإيقاف هذه الخطوة، رغم أن هناك ضررا لحظيا سوف يقع على البعض، لكن المصلحة العليا أعظم للوطن ولخزينة الدولة ولسمعة الشركات نفسها، لذلك لابد للجميع أن يكون جزءا من التضحية خاصة في هذه المرحلة الحرجة، فعمان تمر بمرحلة تصحيح الأوضاع وإن كان – بعضها مؤلمًا – لكن الهدف الأسمى هو لضمان الاستدامة التنموية للسلطنة.
خلفان الطوقي