قرائتي الخاصة في المرسومين الأخيرين الذين أصدرا اليوم؛
من حيث توقيتهما فقد جاءا في مقام عظيم مستحق لموضوعهما العظيم وهو يوم تولي جلالة السلطان هيثم مقاليد الحك
من حيث المضمون في المرسوم ٦/٢٠٢١.. فإن؛
- إصدار نظام أساسي للدولة جديد دون أن يكون تعديل في النظام الأساسي القائم الذي أثبت نجاعته، وشهد له النقل السلس والذي رزقت عمان به جلالة السلطان هيثم والذي أشيد به عالميا، قد يكون له أثر بعيد المدى لهيبة ورساخة النظام الأساسي للدولة بالمعنى الدستوري، فالدساتير الأصل فيها الثبوت، فإن كان ولا بد فالتعديل وليس الإلغاء، فالأخير ضره مع الأول كبير، مع عد عمر النظام الأساسي السابق الـ (٢٦ سنة)، وعمر الدساتير إضافة تراكمية ومكسب ضمني للأمم تتفاخر به، فالتجديد بإصدار جديد وإلغاء قديم بما يخص النظام الأساسي أو الدستور وليس بالتغيير أو التعديل على مواد منه أمر مثير.. نسأل الله تجاوز عمان له بحسن وقوة، وننظر أن يكون الإصدار الجديد له مبرره الذي استوجبه ربما لتغير أكثر مواده فأصبح التعديل غير مجزٍ بالمعنى الفني، فكان لا بد من إصدار جديد!
- استحداث ولي عهد بالنظر لتجارب الماضي والحاضر في الأقطار العربية قد يخلق أرضية غير مستقرة وينضوي تحتها الكثير من المخاطر، ليس منها فقط إشراك شخصية ثانية ومرجعية مع سلطان البلد، وهو ما قد يؤثر على وظيفة السلطان ذاته وهيبتها، ويسلب من صلاحياتها أي الوظيفة فعليا أو يشترك معه فيها، بل هو أرض خصبة لخلق لوبيات واصطفافات وولاءات وتزلفات قد تشكل خطرا على البلد واستقرارها، فضلا عن الضغوطات والمخططات التي ربما تدس للنيل من ولي العهد أو استمالته استمالة خفية لاتجاهات سياسية وغير سياسية قد تؤثر عليه وعلى الأمة حال اعتلائه العرش، أو قد تضعه عرضة للأذى من قبل عصابات مبغضة للدولة لسلطانها داخليا وخارجيا، فضلا عن خلق منافسات محتملة داخل الأسر الحاكمة لدول نظام ولي العهد، وضغائن بين منافسين ضمن المحيط الأقرب بتعيين سلطان المستقبل من الآن، وقد يسارع ذلك في قلب حكم الدول بصورة ناعمة أو خشنة واستبدال سلطان بسلطان أو ملك بملك، وفي التاريخ وحتى الحاضر عبرة وعظة!
في رأيي عدم تسمية ولي العهد هو أقرب لامتداد الدول وبالتالي مدنيتها وتطورها، وأكثر ضمانا لاستقرارها أمنيًا، وأبعد عن الوقوع في المخاطر أعلاه وغيرها، وقد أثبت السلطان قابوس والنظام الأساسي للدولة الملغي حكمة ذلك، واستطاع بالوصية ونظامها والرسالة وفتحها ودور مؤسسات الدولة المختلفة مع الأسرة الحاكمة لخلق نظام مستجد بين الأصالة والمعاصرة، وله في التاريخ -عدم التسمية- امتداد ورأي مذ عهد المصطفى وتتابع عهد الأئمة والملكيات والسلاطين في عمان، واستطاع هذا النظام المدمج بين الأصالة والمعاصرة والذي استحدثه السلطان قابوس حماية الموصى به (السلطان هيثم) وإبعاده عن الأنظار وبالتالي عن المخاطر ودوائر السوء، مع إخضاعه لعناية لدنية من السلطان ذاته، وبرامج خاصة، ومواقف مقصودة، تكشفت بعد عهد السلطان قابوس عيانا بما يدعو للدهشة والإعجاب ، بينما أظهرت أنظمة ولي العهد خلافه في دول المحيط نتيجة وجوده وأثره، وحتى في التاريخ العماني وسقوط الإمبراطورية العمانية بين أفريقيا وآسيا عبرة ودليل، فهما (ماجد للشطر الأفريقي وثويني للشطر الاسيوي) كانا بمثابة وليين للعهد يومها على ما تحتهما، ولم ينفع خبرتهما مع والديهما لتجاوز لحظة الحسم، ولم يحملهما ذلك على تنازل أحدهما للآخر في سبيل الامبراطورية العمانية حينها (وقد يخالف بعضهم أنه لو عين أحدهما وليا للعهد لأصغى له الآخر وهذا رأي فيه وجه من الاحتمال)
أرجو أن تعمل المادة التي تتناول مهام ولي العهد في النظام الأساسي الجديد على التقليل من هذه المخاطر… لكنها قطعا لن تلغيها، من ذلك فلا بد من تحديد هذه المخاطر بدراسة واقع دول أولياء العهد القائمين والسابقين والعمل عليها لتجنبها، حتى يكون تسمية ولي عهد في عمان تسمية نفعها أكبر من ضرها، كما أرجو أن تكون آلية تعديل الدستور إلغاءً أو تجديدا أو تحديثا في النظام الجديد قد أخذ في الاعتبار تفعيل دور أكبر لمجلس عمان (الدولة والشورى) في ذلكم الحدث (إصدار النظام الأساسي للدولة)، حتى يثبت النظام الأساسي ويكون دستورا مرجعا واحدا… الجميع مشترك فيه عبر مجالسه المنتخبة والمعينة لرسوخه وتقليل خطر التنازع فيه.
أما المرسوم ٧/٢٠٢١ المعني بإصدار قانون مجلس عمان فهو خطوة أولى في ما قد يؤدي لحوكمة مجلس عمان وهي خطوة مباركة، وستعزز لا شك من الرقابة ومن دور المؤسسات الفاعل في رفعة عمان وتعزيز مكانتها داخليا وخارجيا
حمى الله عمان وحفظها لنا ولولدنا ولأجيالها المتعاقبة، ووفق جلالة السلطان هيثم للخير، وجعل في النظام الأساسي الصادر اليوم خيرا ثابتا متجددا مستقيا من النظام الأساسي السابق، بانيا عليه أركانه، ويكون خيرا لعمان وأهلها، والله المعين وبه التسديد والتوفيق.
عبدالحميد بن حميد الجامعي
الاثنين
٢٧ جمادى الاولى ١٤٤٢ هـ
١١ يناير ٢٠٢١ م
عبدالحميد بن حميد الجامعي
الاثنين
٢٧ جمادى الاولى ١٤٤٢ هـ
١١ يناير ٢٠٢١ م