لم يعُد تنفيذ أي مشروع في أحيان كثيرة بالأمر الصعب، لكن ترويجه وتسويقه أصبح أكثر صعوبة، وعليه يُمكن القول- كحقيقة ثابتة أو مجاز- إن الترويج لأيِّ منتج أو خدمة يُشكل نصف أهمية المشروع نفسه، وعليه فمن المنطقي أنه لابُد لجزئية التسويق أن تحظى بنصف الجهد بعد إنجاز المشروع، ولابُد من الاتفاق على أن تنفيذ المشروع هو خطوة جوهرية من عدة خطوات، ولضمان استدامة أي مشروع، يجب تسويق منتجاته بطريقة احترافية مبتكرة ومقنعة.
وعملية الترويج لم تعد كالسابق محصورة للأفراد أو لمشاريع القطاع الخاص الربحية فقط؛ بل أصبحت عملية جوهرية أصيلة في العمل الحكومي وخاصة في المبادرات والمشاريع الوطنية، وغدت دوائر الإعلام والعلاقات العامة في الوحدات الحكومية من الدوائر الهامة التي يمكن أن يستدل على أداء الوزارة ورئيس وحدتها وموظفيها إن كان مميزًا أو خجولًا، وهو أسهل وأوضح المؤشرات التي يمكن أن يستدل من خلالها، وذلك لأن المؤشرات الأكثر لا علاقة بعامة الناس بها، ومثلما يقال: “الناس عليها الظاهر”.
ولمزيد من تسهيل الفكرة يمكن توضيح المثال من خلال الواقع الميداني، فقبل عدة أيام تم الافتتاح الرسمي لميناء الدقم، وانتقد كثير الصحفيين والجمهور- خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي- عدم دعوة الإعلاميين والمؤثرين والمتخصصين والمهتمين من داخل السلطنة وخارجها، والاكتفاء بوسائل الإعلام الرسمي (وكالة الأنباء العمانية وتلفزيون سلطنة عمان)، وكأن الحدث روتينيًا وعاديًا ويحدث كل يوم!! وفي المقابل، وفي دول مجاورة، تكون هناك بعض المبادرات أقل ما يقال عنها أنها بسيطة، لكن وبطرق الترويج الخلاقة المبتكرة تستطيع اختراق هواتفنا وقلوبنا وعقولنا، وما ميناء الدقم إلا مثال لتوضيح الفكرة!
فأين المشكلة فيما يخص تسويق مشاريعنا الوطنية على وجه العموم؟
هل تكمن في أننا نحب أن “نعمل بصمت”، وأن الصخب ليس من عاداتنا؟! أم أنَّ ما يتم عمله من تسويق إعلامي يعد كافيًا من وجهة نظر المعنيين، وأن هذا أفضل ما يُمكن القيام به؟ أم أن المشكلة تكمن في عدم تخصيص بند مالي يخص التسويق يتناسب مع أحجام المشروعات الوطنية؟ أم أنَّ العيب يكمن في قلة الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال، وإن وُجدت فهي ضعيفة؟ أم أن التسويق أمر معني به المتخصصون فقط وليس عامة الناس والجمهور الذي يُتابع أخبار الوطن؟ أم أن العتب يقع على قلة متابعة الناس لوسائل الإعلام المختلفة لمعرفة الجهود الحكومية؟ أم أن الخطط الترويجية تتم حسب حجم المشروع “نسبة وتناسب”؟ الأسئلة كثيرة ومتعددة، لكن الإجابات شحيحة وغير متاحة.
الخلاصة.. لابُد للحكومة أن تُعيد تقييم خططها الإعلامية والتسويقية في كل مبادراتها ومشاريعها وسياساتها، فمن غير المنصف أن تقوم فرق حكومية متخصصة بأعمال حثيثة وفي مجالات مختلفة، ولا يتم التسويق والترويج لها بشكل واسع ومكثف ومقنع، ففي أي عمل أو مشروع أو مبادرة يُراد تنفيذها هناك 3 مكونات أساسية للترويج: 1) “قبل”؛ وهي التخطيط وعمل الدراسات السوقية والميدانية اللازمة، 2) “أثناء”؛ وهي تنفيذ المشروع ميدانيًا، 3) “بعد”؛ وهو التدشين والتسويق والاستمرار في الترويج بطرق مبتكرة احترافية وعصرية، واعتبار التسويق إحدى العمليات المستدامة.
إن التسويق الاحترافي أصبح يعادل في أهميته نصف المشروع، فكم من مشروع أو مُبادرة حكومية لم يتم تسويقها بطرق احترافية خلاقة، قد ماتت في مهدها، والعكس بالعكس! وتبقى مسؤولية الحكومة كبيرة ومستمرة؛ إذ إنَّ تطلعات العمانيين أصبحت عالية في تسويق عُمان وهويتها ومواطنيها ومشاريعها ومبادراتها، والجميع يحب أن يرى قصص نجاح الوطن منتشرة إعلاميًا، ليس محليًا أو خليجيًا فحسب؛ بل إقليميًا وعالميًا.
خلفان الطوقي