من يتابع منشور جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الذي جاء بمسمى “ملخص المجتمع” ينبهر من حجم الفساد الإداري والمالي الذي عصف بالدولة في السنوات العشر الماضية؛ وهذا ما يؤكد بأن ما ينادي به الشعب بضرورة مكافحة الفساد هو ناتج عن مشاهدتهم بعض الملفات بأم أعينهم ولكن اغلبهم لا يستطيع إثباتها؛ ومع ذلك جاء عدد الشكاوى أكثر من 4 الآف ونصف بلاغ ما يترجم مساهمة المواطنين للحد من الفساد وأيضا ثقة المجتمع بالمؤسسة والأكثر أهمية هو كشف النقاب عن مستوطنات الفساد حيث وصل فيها للدرجة الرابعة بما يعادل مقاييس مرض السرطان؛ وهنا يتحتم على صاحب السلطة أن يتخذ قرارات سياسية تسحق صناعة الفساد؛ ومن يحميهم أن وجد.
يتضح من التقرير الجهد الجبار الذي بذله الجهاز لمكافحة هذه الآفة ومعالجة الترهل في مؤسسات الدولة التي يتابعها؛ ونستعرض هنا بعض الملامح من “ملخص المجتمع ” التي عرضها الجهاز في تقريره الأخير:
◇ يتضح من تتبع الملخص بأن افراد الجهاز يقومون بعمل جبار مقارنة بالإمكانيات والصلاحيات المتاحة لهم.
◇ من الملاحظ أن عدد الشكاوى المقدمة في السنوات الثلاث الأولى كانت 1906 وبعدها بدأت تتراجع أعدادها وعادت للصعود مجدداً مع العهد الجديد؛ فربما يعود هذا للثقة في إمكانية الجهاز التعاطي مع التجاوزات.
◇ الكثير من توصياته كانت تذهب في مهب الريح من عام 2011 الى عام 2020، فمن خلال التقرير يتضح القليل جداً من التوصيات التي تم العمل بها وهذا ربما يعود لضعف الصلاحيات المتاحة للجهاز وضعف المتابعة من قبل الجهات المختصة.
◇ هدر مالي كبير يضعف الأقتصاد ويهشم جسم الدولة؛ بسبب عدم القيام بالإصلاحات اللآزمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر (غياب الموازين لتزن الشحنات وقياس الكميات فيما يتعلق بملف التعدين وضعف النظام الضريبي وكذلك ضعف النظم الرقابية مما سهل الاختلاسات والرشاوي).
◇ تلاحظ أن هناك مؤسسات ظهر فيها الفساد بشكل مرعب واستوطن فيها وكأن لا خلاص للحد منه وظلت تستنزف خزنة الدولة لبقائها على قيد الحياة؛ ومن الممكن للمتابع أن يرجع للتقرير لمعرفتها.
◇ أيضا غياب القوى العاملة الوطنية من المؤسسات التي شهدت أرقام كبيرة في الهدر المالي والإهمال ويتضح ذلك في قطاع الطاقة (النفط والغاز خصوصاً)؛ وايضا في شركة عمران حيث لا تتجاوز نسبة التعمين 15%؛ وشركات التعدين؛ وهذا يحتم علينا الاسراع في التعمين؛ فالعماني هو صمام الأمان لحفظ مقدرات الدولة.
◇ ما جمعته الدولة من ضرائب خلال عام والتي كانت موجعة للمواطنين؛ تهدره شركة واحدة كالطيران العماني، فلا يعقل ان تصل الخسائر الى مليار وثلاث مئة مليون ريال عماني؛ واستمرت هذه المؤسسات تضرب بعرض الحائط توصيات جهاز الرقابة و بدون إعادة دراسة الجدوى للخروج من أزماتها المزمنة ولا قامت بالتخارج لوقف نزيف الخسائر مثل ما حصل مع الصناديق الاستثمارية والتي دخلت في استثمارات بدون اتاحة أداة التخارج واستمرت حتى انتهاء المدد الاستثمارية ولم توجد لنفسها آلية لوقف أزماتها.
◇ نلاحظ ايضا تزايد الشكاوى خلال عام ٢٠٢٠ وهذا مؤشر على عودة الثقة بالجهاز؛ وما يؤكد على ذلك ان الجهات المستهدفة تعمل بتوصياته؛ مثل معالجة ملف النفايات الذي كان معطل وأصبح يحقق ايرادات عام 2021/2020 ما يعادل 2.7 مليون ريال عماني.
نتمنى ان يتسع نطاق عمل الجهاز ويشمل جميع المؤسسات بحيث تصبح تحت المجهر وأن يمنح المزيد والمزيد من الصلاحيات وان نقوي النظام الضريبي وتعزيز المجالس الرقابية والتشريعية كمجلس عمان بغرفتيه (الشورى والدولة) والمجلس البلدي والنقابات وغيرها من الأدوات التي تجعل من الدولة (صفر فساد) مثل حوكمة الشركات واخيراً تفعيل الحكومة الإلكترونية وأن يكون الربط اجباري في مدد محددة.
سلطان الحسني