هل تجيز المدارس الإسلامية التعديل !
خصّ الله سبحانه وتعالى، الإنسان، وميّزه عن سائر المخلوقات الحيّة، بنعمة العقل.
هذه النعمة هي نعمة ونقمة في ذات الوقت، نعمة لضبط الحياة وتوجيه البوصلة نحو قيادة حكيمة تبدأ من رأس الهرم حتى آخره.
فلو كانت مجتمعاتنا خالية من الضوابط، لكانت أشبه بغابة نعيش فيها. وهذا الأمر ينطبق على الرواة الذين يعتمدون على الإسناد في نقل الصحيح ونبذ المشكوك فيه، فالرواة كثر والروايات أكثر، فهل كل ما يتم عرضه صحيح، وكل ما يتم نسبه للمؤمنين من أئمة وصحابة وأنبياء صحيح، أين الحجة وأين علم الرجال والإسناد القويم، لأقول هذا هو عين الصواب، أما أدعياء العصر، فليرحمونا من هذه السياسة والتحريف، فكل شيء قابل للتغيير إلا الموروث الإسلامي واللعب في شرعية المصادر لمجرد إختلافات دنيوية تم تشربها كميراث نقلاً عن دون حجة أو دليل أو برهان.
وهنا أورد مثالاً للعلامة المعلمي رحمه الله الذي قال: “قد وقعت الرواية ممن يجب قبول خبره، وممن يجب ردّه، وممن يجب التوقف فيه، وهيهات أن يعرف ما هو من هو الحق الذي بلغه خاتم الأنبياء عن ربه عز وجل، وما هو الباطل الذي يُبرّأ عنه الله ورسوله، إلا بمعرفة أحوال الرواة”.
لكن أن تخرج فئات تسيّس طبقاً لمآرب توجهاتها عقائدياً، دينياً، وحتى على الصعيد الإجتماعي، تقطع وتوصل دون دليل للراوية المذكورة، فهذا هو ما نستطيع وسمه بصفة “الشبهة، والإنهزامية، ومن الممكن كثيراً أن تكون كحركة مؤدلجة وموجهة لغايةٍ ما.
فليس كل من قرأ بقارئ، إن لم يتوخَّ الدقة لمن قرأ، وماذا يقرأ، وهذا الحديث أو تلك الرواية من صاحبها، فلطالما عرف الإسناد بأنه، وجوب معرفة الرجال، ليتسنى للمتلقي الحكم على الخبر، بالرد أو التعليق، لا بالتمسك بآراء متعصبة جاهلة متشرذمة، لا تمت لأصل لإسناد بِصلة.
فالإسناد هو سلاح المؤمن في مواجهة هؤلاء الطغمة من المثقفين الجدد، أو الدخلاء على الدين، سمّهم ما شئت، فطالما نتسلح بالسلاح الأنجع فهذا هو ردنا الحقيقي القويم الصحيح، أقنعني وإتني براوية سندها صحيح لأبصم لك.
لكن أن تغالط لمجرد التمسك برأي غير صحيح فهذا خطأ مقصود لن يمر ونحن الذين نعمل على عدم تحريف البوصلة، وهذا ما نراه حقيقةً في بعض القنوات التي تفرد منصاتها للغوص في مواضيع وإستحضار ضيوف متخصصة لكن من طرف واحد، والسؤال أين هو الطرف الآخر ليدافع عن نفسه، لنقنعه أنه على خطأ وليقنعنا أنه على صواب!!!
فالأمثلة كثيرة خاصة المتعلقة بالحركات الإسلامية وتوجهاتها، فعندما أواجه السلفية على سبيل المثال “الإسلامية”، سيكون في المقابل هناك من يواجه حركات إسلامية من المقاومة وهي كثيرة، وهنا نوجه المتلقي بحسب ما نريد أن نملي عليه، فكيف نكون قد قمنا بشرع الله من إحقاق العدل، فهذه المغالطات تزيد من العداوات والشروخ في صفوف الأمة الإسلامية، بسببنا ومن أيدينا.
ليس هذا فقط، فالقضية كأنه فريق متكامل يريد نبذ الآخر لمجرد الإختلاف معه، تبدأ من مقدّم هذا البرنامج أو ذاك، فأين العقل من هذا، خاصة عندما ننسب حديث ما إلى صحابي أو نتحدث عن نص معصوم لقدسية إمام، فكيف لا نناقش هذا النص والحديث إذا كان خالٍ من إسناد يحتكم إليه، وهنا أورد مثالاً آخر، لعبد الله بن المبارك رحمه الله: “الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”، فوجود السند جاء لحفظ الدين، لكن هذا لا يعطي صفة القدسية للإسناد بل هو مرجع نستطيع تسميته بالمرجع الأكاديمي لأصحاب التخصص، فأول هدف يكمن فيه هو تحقيق دور العالِم في فحص الضوابط الموضوعة لتحقيق شروط الإسناد، ومع النية الخالصة للمتخصصين في هذا المجال في إحقاق الحق، وإخراج سنة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم، صحيحة في كل المدارس الإسلامية.
وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظة مهمة، من ماهية وضع الإسناد كدليل وبرهان على قول الحق، وليس من باب التقديس أو التمسك به كحجة لنقد الآخر من بابه، لكن هناك علماء أوائل ومتخصصين من علماء الجرح والتعديل والرجال وعلماء الحديث، وضعوا قواعد لهذا الأمر.
ودورنا نحن جميعاً كمحققين وباحثين، فحص هذه الأسانيد فحصاً كاملاً، والتحقق منها، من ذوي الشأن والإختصاص.
إن التشريع ومصادره واضحة وكل من يشذ عنه، كائناً من يكون هو خارج السرب، فلا يجوز أن ننسب الأحاديث للأئمة وللأنبياء دون سند واضح ودون مصدر هذا السند لنحقق الفائدة العامة، وننبذ الشقاق لمجرد تمسكنا بقشور من يملي علينا من توجه وسائل إعلام معينة ومن برامج معينة، وحتى من رجالات الدين.
فالإسناد سبب وجوده حفظ الدين وصونه من الأحاديث والمحدثين الجهلاء، فالخلط والصعود والنزول لن يغير ضوابط النقل والتي توسعنا فيها في عدة أبحاث، لأننا استشهدنا بالثقات، ولم نأخذ عن غيرهم وهنا يكمن الفرق.
أخيراً، وكما سئل الشافعي، حين قالوا له، يا إمام، نراك تارةً مع أهل الحديث، وتارةً نراك مع أهل العقل، وتارةً نراك مع المعتزلة والشيعة، فإلى أي المدارس تنتمي؟
قال: “إسمع أيها السائل، والله إني مع الحق، أدور معه حيثما دار” وكما قال أيضاً محمد بن إدريس الشافعي: “حيثما صح حديث رسول الله ( صل الله عليه وآله وسلم ) فذلك مذهبي”، فإيماننا وحبنا وتقديرنا لسيرة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم، نغار ولا نقبل من أي مدرسة كانت “سنية أم شيعية، إباضية أم زيدية أو معتزلة” أو من أي مدرسة من المدارس، فأي واحد يروي عن أهل البيت عن أي طريق كان، إلا أن يأتي بالدليل والسند، وبغير ذلك لا نقبل، وهذا واجب علينا، أن نتحقق من كل ما يتم نسبه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل المذاهب الإسلامية.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان