تحتفي جمهورية ايران الاسلامية في الحادي عشر من فبراير في كل عام بعيد ثورتها الاسلامية التي أذنت بفجر جديد وأعلنت تبدل تاريخي في ايران عام ١٩٧٩م، وقد تناغم معها الشعب الايراني بشكل واسع النطاق، على نهج ما حدث في ثورة الضباط الأحرار بمصر عام ١٩٥٣م التي غيرت وجه الحياة بمصر والوطن العربي عموما، وما أشبه الثورتين ببعضهما البعض من حيث النتائج والظروف، حيث تعرضتا للمعاداة من قبل القوى الدولية لكونهما عبرتا عن إرادة وطنية وقومية رافضة للتدخل الأجنبي في شؤون المنطقة، وبالتالي فقد أوغلت قوى الاستعمار في معاداة الصورتين وخلق مشاكل داخلية ومواجهات خارجية لهما، كما سخرت هذه القوى منظوماتها وأجهزتها الاعلامية للنيل من الثورتين بل وظفت مختلف الأدوات لمحاربتهما، وهكذا هو الحال لجميع الثورات التحررية بالعالم مع قوى الاستعمار في كل زمان ومكان .
اليوم تحتفل ايران بالذكرى الثانية والاربعين لقيام ثورتها الاسلامية، وما أحوجنا نحن أبناء الامة العربية وايران والعالم الاسلامي عموما الى طي صفحة الخلافات التي عصفت وما زالت تعصف بالمنطقة، وشكلت عائقا كبيرا أمام أي مشروع تعاوني يخدم البلدان العربية والاسلامية ويحافظ على الامن والاستقرار في المنطقة، اضافة الى ذلك تمثل حالة الخلاف القائمة نافذة لتدخل قوى الاستعمار في المنطقة، وبلا شك أن تلك القوى الدولية حريصة على استمرار هذا الخلاف وهذا الصدام وعدم الاستقرار بين الاشقاء والجيران، وهي قضية شديدة الوطأة عانت منها كل دول المنطقة (العرب وايران) بل استثمرتها القوى الدولية في تأجيج هذا الخلاف وما زالت تدفع بهذا الاتجاه خدمة” لمصالحها وأجندتها وتأمينا لكيان الاحتلال الصهيوني الذي يحتل جزء عزيز من الوطن العربي، كما أن هذا الملف يمثل عائقا كبيرا للحيلولة دون تحقيق شراكة وعلاقات عربية ايرانية ايجابية تخدم دول المنطقة على العموم .
لقد جرت محاولات سابقة لانهاء هذه الحالة تبنتها بعض الدول العربية والاسلامية وذلك في محاولة لطي صفحة هذا الملف الشائك كان آخرها عام ٢٠١٨م بجولة قادها رئيس وزراء باكستان عمران خان، ولكن للأسف الشديد لم يتحقق المأمول منها ولم يتم استشعار خطورة هذا الخلاف من قبل الأطراف المعنية بهذا الملف، وهذا الوضع بلا شك يحقق أهداف قوى الخارج في المنطقة من خلال تكريس حالة (فرق تسد) السائدة على المشهد العربي والاسلامي، بل أن هذه الخلافات تتكرر في المشهد العربي أيضا بين فترة وأخرى، وهذا الوضع يقف عائقا أمام تحقيق أي مشروع عربي أو اسلامي طالما بقيت الأوضاع على حالها باستمرار الخلاف ورفض أي مبادرة لطي هذه الصفحة المؤلمة .
اليوم بات العرب وايران أمام موقف حاد ويزداد حدة كلما تقدم الوقت من حيث توغل قوى الاستعمار في المنطقة وممارساتها التي مست السيادة والارادة الوطنية وما زالت تتحكم بالمشهد في ظل تجاذبات هذا الخلاف العربي الايراني المقلق، ولا بوادر ايجابية للاسف الشديد تنهي هذا الصداع المزمن، وبالتالي فإن على العرب وايران الاحتكام الى لغة المنطق وجادة الحكمة في القبول بالواقع وتغليب لغة البراجماتية السياسية وتقديم التنازلات في سبيل اطفاء لهيب هذا الأزمة المشتعلة منذ (٤٢) عام، ويزداد اشتعالا للأسف الشديد، بل أن اشتعاله لم يصب الجغرافيا السياسية العربية فحسب بل طال الديموغرافية العربية والاسلامية وتجذرت فيه حمى الطائفية الشعبية التي أقضت مضاجع أبناء الامة، والمستفيد الاكبر من تأجيجها هي قوى الاستعمار ومازالت هذه القوى تلعب على هذا الوتر الحساس، وأصبح أبناء الامة العربية والاسلامية وقودا لهذه الحالة الخطيرة، فإلى متى يستمر هذا الواقع المأساوي؟! ألم يكفي ما حل بنا من كوارث بسبب هذه الخلافات والتدخلات الخارجية؟!
أعتقد أن ايران والعرب قادرون على تجاوز هذا الملف وطي صفحة الخلافات إن وجدت الارادة السياسية الصادقة لدى بعض الاطراف الفاعلة، وهؤلاء الاطراف هم أكبر الخاسرين من استمرار هذا الخلاف، وأكثر من تعرض للابتزاز، وعانى من العقوبات والحصار، وضاعت مليارات من ثروات شعوبها بسبب حالة الابتزاز، وهي التي تتعرض لخالة من عدم الاستقرار أكثر من غيرها، فهل من انصياع لصوت العقل والحكمة، أم علينا انتظار التغيير من السماء، ونترك قوى الخارج تتحكم بالمشهد في العالم العربي والاسلامي، ليحقق أعداء الأمة أهدافهم باستمرار هذه الحالة، وبالتالي على العرب وايران ودول المنطقة عموما دفع ضريبة اختلافات دول المنطقة؟!!
أنني أناشد من هذا المنبر الدول العربية وخاصة المعنية بهذا الملف وايران وبقية دول العالم الاسلامي السعي الجاد لتبني المبادرة تطوي صفحة هذا الملف الشائك لولوج مسارات آمنة تزيح عن كاهل الامة هذا الصداع المزمن، كما أناشد وسائل الاعلام في دولنا العربية والاسلامية تخفيف لغة الخلاف وأعلاء صوت الحكمة ولغة الجوار والتأكيد على الروابط المشتركة التي تجمع بين أبناء الأمة الاسلامية، وتفعيل حوارات جماهيرية في مختلف وسائل الاعلام، وعلى ابناء الأمة إبعاد اللغة السلبية خاصة من قبل الاطراف التي تضررت ودفعت من دماء أبناءها بسبب استمرار هذه الحالة السياسية المريرة، فتشربت المغالاة ورفض الحوار، لذا نقول كفى ما مضى وعلينا بفتح صفحة بيضاء يسودها الوئام والتعاون والعلاقات الأخوية والروح الايجابية لابعاد شبح التوترات والحروب، والحفاظ على الأمن والاستقرار، وتحقيق الشراكة والتعاون بين العرب وايران وجميع دول العالم الاسلامي في مختلف المجالات، وهذه ليست أحلام بقدر ما هي أمنيات تتطلب إرادات سياسية صادقة، بل هي ضرورات تحكم المستقبل والفائز من اغتنمها ونسأل الله سبحانه أن يحقق تلك الامنيات والله من وراء القصد .
خميس بن عبيد القطيطي