الجزء الأول …
سلوم شاب عشريني يسعى أن يكون عكس اقرانه من بني جنسه ، يريد أن يكون متميز في كل شيء حتى في افعاله ، فكان يراقب ابيه طوال اليوم حتى في ادق التفاصيل ، بالطبع لم يكن والده حمدون غافلا عنه ، بل كان يعلم جيدا بأن ابنه سلوم يسترق النظر إليه كل حين واخر ، بعد مضي سنة كاملة ايقن حمدون بأن سلوم لن يكف عن ملاحقته ومتابعته ليل نهار ، فلم يكن إبناً عاديا كباقي أبناءه لذا قرر أن يعلمه ما يسعى إليه .
صباح اليوم التالي أخذ حمدون ابنه سلوم إلى خارج القرية ناحية السيح ، وبعد مسير استمر ساعات مبتعدان عن القرية ، ترك حمدون مؤونة الطعام على الأرض وفعل سلوم بالمثل ، قص حمدون من السمرة القريبة عود اخضر مستقيم واخذ يخط به الأرض بشكل دائري حتى صنع دائرة كبيرة جدا ، ثم طلب من سلوم ان يدخل داخل الدائرة ويأخذ المؤونة معه ، فعل سلوم ما امره به والده حمدون دون حتى ان يسأل عن أي شيء !! ، سلوم متلهف أن يتعلم من والده كل شيء يعرفه عن خفايا الأمور ، طلب حمدون من سلوم اذا كان يريد العلم فعليه إن يعبد الله في هذا المكان لمدة أربعين يوما دون أن يخرج خارج الدائرة بالليل والنهار ، وعليه أن يكثر من التسابيح وقراءة القرآن والأذكار ، كما قال له أن لا يخاف لا بالليل ولا بنهار وهو لوحدة ، فإذا خاف تخطفته الجن والسحرة ولن يتمكن من إسترجاعة ، لكنه قال له ( بعدك ياسلوم تريد تتعلم ولا اخرت ) ، لكن سلوم هز رأسه على المضي في التعلم ، وقاله له والده حمدون ( تراه اذا وصلت مرحلة ظهور الجن لك وخوفوك وخفت بيسخطوك ولا بيحرقوك بمكانك وتستوي رماد ) لكن سلوم هز راسه مرة اخرى بأنه مصر على المغامرة حتى الموت من أجل ان يصبح كأبيه حمدون ، رجع حمدون ادراجه إلى القرية تاركاً سلوم وحدة يصارع الأهوال ، مضى سلوم او ليلة لوحدة وسط الظلام يسمع عواء الذئاب وضباح الثعالب ، لكنه لم يلتفت لكل هذا واسترسل يدعوا الله ويصلي ويسبح ويبتهل بالاذكار ، واستمر سلوم على هذه الحال حتى يوم سبعة وعشرين ، وهو اليوم الذي حضرت إليه عشيرة الجن تحاول أن تخيفه وتصنع له من المخاوف والتصورات فوق ما لم يكن يتخيل ، لكنه ظل صامد لا يستكين ابدا ، فبعث إليه شيخ عشيرة الجن بفتيات تشبهن له كالبشريات في الحسن والجمال ، وكانت كلا منهن يكشفن له عن عواراتهن ، لكنه لم يكن يرفع رأسه لينظر إليهن بل كان يستمر في التسبيح والتكبير وقراءة القرآن والأذكار ، فتغيرت الدنيا من حوله وأصبح وسط نارا حاميه شديدة الاحمرار تلفح من بعيد ، وعند اليوم الثلاثين حضر إليه ملك الجن وطلب منه أن يأمره بما يريد بعد أن عرفه على نفسه ، قال له أعطيني خاتمك الذي به أمتلكك وتاتمر بأمري ، فألقى ملك الجن خاتمة إلى سلوم وقبل ان يسقط وسط الدائرة كان سلوم قد ادخله في صبعه ، في اليوم التاسع والثلاثين وهو اليوم قبل الاخير من أكتمال مدة بقاءه في الدائرة جاءه ملك الشياطين ، ودار بينهما الحديث كما دار مع ملك الجن ، واخذ سلوم الخاتم منه وأصبح ملك الشياطين يأتمر بأمر سلوم ، وفي اليوم الأربعين نزل عليه ملك عظيم يشع النور من وجهه وجسده ، فقال له هل حفظت القرآن الكريم كله ، قال سلوم نعم حفظته ، قال له فإذا اردت بالقرآن شيئا فأقرأ ما تيسر منه وسوف يكون كل شيء كما تستحظر الآية وتقرأها ، ثم القى على قلبه شحنة من النور وقذف بها فسقط سلوم في الدائرة ولم يفق إلا في اليوم الواحد والاربعين حين فتح عيناه راء ابيه حمدون فوق رأسه يبارك له .
عاد سلوم إلى القرية مع أبيه ودخل بيته ونام ولم يصحوا إلا بعد اربعة أيام ، لقد اخبر اباه انه كان يصلي كل صلاة بوقتها جماعة في المسجد معهم وهو نائم ، فربت اباه على كتفه وإبتسم ثم غادر .
يُتبع …
قصة للكاتب / يعقوب بن راشد بن سالم السعدي