كان ممدَّدا على سرير المستشفى السلطاني يوم زرته قبل شهور فكيف للجبال أن تنام ؟.
وبثَّ النَّعيُّ هذا الصباح الحزين فاجعة موته فكيف للجبال أن تموت ؟.
إلَّا أنَّ الشيخ أحمد “بوشناجل” المرهون وكآبائه وأعمامه قبله ، وكإخوانه وأبنائه بعده هم توازنات الجغرافيا في الحبيبة ظفار ، وهم حضروا أم غابوا سواري الراية العمانية وأوتاد الأرض ، وهم الأجناد الأوفياء.
ويوم دخلتُ البيت القديم للشيخ “بوشناجل” شعرتُ أن جزءاً من سمحان هنا ، وأنني من جلستي قبالته أتنقل بين مسحاب هذه القبيلة وتلك.
وانني هنا على جزء من جبال القمر أقرأ مياسم القبائل على قطعان الإبل التي يسوقها التاريخ.
وتكرر المشهد ذاته في بيوت إخوة “بوشناجل” يوم زرتهم لأكتشف أنَّ لسمحان والقمر أكثر من قمة وإن في قياس الإرتفعات مضيعة للوقت.
وتعود معرفتي بالراحل الشيخ أحمد بن سالم المرهون إلى سيح الخيرات ذات مناسبة سلطانية يوم جاء ضمن كوكبة من مشايخ ظفار للقاء المغفور له جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه.
وكان في حديثه الولاء للتاج والانتماء للوطن ، وكان عروبيا ككل الشيوخ ، وشامخا في مقارباته للتاريخ.
ودخلتُ بيت الشيخ أحمد المرهون وقد بترَ السُّكّريُ أطرافه ومع ذلك كان كجبال القمر على ثباته ، وكسمحان لا تهزه الريح.
وقد التقيته وكان كالعهد به مبتسما يتحامل على نفسه ليصافح واقفا بينما هو ينزف ، ولكنه لا يساوم في الشموخ رغم أنينه الداخلي.
ولما عاد من العلاج وفي جسمه فلذة من كبد ابنه استقبلته صلالة فكان احتفاء الناس به أنفع له من كل الجرعات الطبية ومن كل أمصال الأطباء.
ويوم يترجل الفارس عن الصهوات فخيوله الحزينة لن تشرب مدامعها بل ستنتظر فرسان البيت المنيف لتركض بهم ، فمسابقة الربح تكليفهم التاريخي.
ولا شك أن برحيل الشيخ أحمد المرهون تستنزف ظفار بعضا من رصيدها ، وتخسر بموته هامة سامقة ، إلا أن أرض جبالنا العالية ستكبر على أحزانها وستواصل الشموخ.
لقد عانى الشيخ أحمد المرهون طويلا فصبر وصابر وكابد ، لا لأجل الحياة بل لأجل أن ينقش اسمه في سجل عائلته الشريفة بأنه حفيد الشيخ سعيد المرهون.
وأنه ابن الشيخ سالم بوشناجل المرهون.
فقد كان
وقد كان.
وقد كان.
————————————————
حمود بن سالم السيابي
————————————————
مسقط في ١٠ فبراير ٢٠٢١م