الجزء السابع …
أحتضن الخواتم وضمها إلى صدره ثم قرأ سورة الإخلاص والكرسي ، فطارت كل الغربان بالضاحية وبدأت تتلاشى والنار تحرقها من أخرها إلى اولها ، هكذا تبددت في السماء ، ارتداء سلوم ملابسه وأسرع نحو أبيه الذي كان ينتظره بصبر ، دخل سلوم على أبيه فكان حمدون يرتشف الهواء أرتشافاً وكأنه ملتبساً أو محضراً للأرواح ، يده اليمنى تقبض على عصا قصم لها إنحناءه شديدة وفي أخرها رأس يشبه رأس الحنش القاذف للسم ، كان حمدون يستشيط غضباً قبل أن يلتفت ناحية سلوم الذي يقف خلفه ، لم تكن تعابير وجه حمدون تبشر بالخير مطلقاً ، ألتف حمدون بوجهه وظهره نحو سلوم فكانت عيناه تطاير منهما شرر من شدة الإحمرار ، فنطق بحدة لم يألفها سلوم .. ( أسمعني زين ياسلوم وخلي كلامي هذا راسخ فأذنك كما رسخت كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .. وإلا ما راح أطلع من الموت كما طلعتك هذه المرة ) ، ثم رمى بعصا القصم على الأرض فكانت ثعبان أعتلى رأسه سقف الغرفة التي كانوا يقفون بها ، أخذت عين الثعبان تلمع وكأنها جوهرة تعكس أشعة الشمس ، واذا بالثعبان يتقيأ ما في بطنه من مادة خضراء متماسكة على سلوم ، حاول سلوم أن يتخلص من هذه المادة التي أطلقها الثعبان لكنه لم يستطيع ابدا واصبح كالمقيد في مادة رخوية مطاطية ، فأقترب منه حمدون .. ( كيف سلوم أشوفك عاجز عن تفك نفسك من ذا الشي .. وين علمك وين خواتمك وملك .. وين ملوك الخواتم اللي بايعوك على حمايتك .. وينهم .. أنت الحين تحتاج لهم أكثر من الأول .. وينهم جاوبني ) .
بقى سلوم داخل ذاك الهلام الغريب الذي اطلقه الثعبان غير قادر على تخليص نفسه ، بل أخذ يتحدث إلى الخواتم وملوكها عن طريق التواصل الذهني لكنه فشل في ذلك او لم يستجب له أحد ولا يعلم لماذا ، لكنه أدرك في لحظة بأنه رغم الذي يملكه من العلم لم يكن شيء أمام قوة أبيه ، فاستصغر نفسه وحاله وعلم بأنه ما زال لم يدرك شيئا من العلم رغم كل ما يملكه ويعرفه ، لقد أيقن بأن باه يريد أن يوصل له هذه الرسالة التي لم يستطع سلوم أن يفهمها في الأيام الماضية .
قضى سلوم ذلك اليوم وتلك الليلة وهو حبيس ذاك الهلام والثعبان المعتلي سقف البيت ، في اليوم الثاني جاء حمدون وأمر الثعبان أن يسحب الهلام دون سلوم ففعل ، تحرك سلوم وخر على الأرض من قوة الإرهاق والتعب ، نظر إليه حمدون بنظرة ثاقبة شديدة وحادة وكأنه يقول له أستيقظ من غفلتك ، حرج حمدون وترك سلوم على حالة تريح الأرض ، نهض سلوم وهو يترنح يتكأ على الجدران وهو يحاول الوصول إلى خارج المنزل ، فنادى ملوك الخواتم فحضروا جميعا في لمحة بصر ، فزجرهم بشدة وأخذ يقرعهم عن ما بدر منهم اتجاهه من قصور ، لكنهم قالوا له .. ( ما سمعناك البر ولا وصلنا نداك .. لا في الأرض ولا في السماء ) ، هنا ادرك سلوم بأنهم كانوا محجوبون عن سماعة كما كان هو محجوب عنهم ، طلب منهم أن يأخذوه إلى سريره ويتركوه هناك حتى يستعيد قوته ، فقبل ليلة أمس كان معذب ومعلق مع السحرة وأمس كان مؤدب مع أبيه ، فلم يبقى به حال حتى ليحرك رمش عينيه ، نام في سبات عميق ، في تلك اللحظة التي نام فيها سلوم بعمق كانت السحرة تطير اعلى بيته تحوم وكأنها إعصار ، حمدون يعلم كل شيء وهو يسقي الضاحية وينظر نحو نخلة البرني ويبتسم ….
يُتبع …
قصة للكاتب / يعقوب بن راشد السعدي