عمّان، في الأول من مارس/ العمانية/ تأخذ الشاعرة العُمانية هاشمية الموسويّة قارئ
ديوانها “عطر المشاعر”، إلى وجهات تتنوع بحسب الحالة الشعورية التي تسعى إلى
تجسيدها في كل قصيدة.
وتتعدد نوافذ الرؤى في النصوص لتلامس حالات وجدانية خاصّة بالشاعرة، أو تستحضر
أئمة الهدى الذين ما زالوا حاضرين في الوجدان المعاصر، أو تخاطب الوطن ورجاله
الذين ارتقوا به ومعه إلى آفاق الحضارة والمنعة.
تهدي الشاعرة كتابها الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، إلى “التائهين في عشوائية
المشاعر، والنازحين من معترك الحياة”. وتقدّم لنصوصها قائلة: “نسبحُ في هذا الوجود
الدامي بغربتنا وننزحُ إلى أودية الفوضى، تحملنُا لقاءات الأماني، ونحلمُ بفصلٍ ربيعيّ
من أيامنا العالقة قرب دهاليزِ الحنين وبوابةِ الصبر، لعلّ هذه الحروف وحبرها تداوي
جروح الياسمين”.
تكتب الموسوية قصائدها بلغة سلسة تتسم بالصدق، فجاءت واضحة، سهلة، قريبة إلى
القارئ. كما أنها تنوّع في أوزان قصائدها، وتنتقل بين القالب التراثي لعمود الشعر
العربي، وقصيدة التفعيلة، فتتنوع الموسيقى لتعبّر عن كل حالة بحسب ما يناسبها من
تدفق وإيقاع، كما يظهر حين تكشف إحدى القصائد عن نداء مليء بالوجع:
“ويعود نزف الجرح يعبث بالحنين
وباللقاءْ
وتعود كلُ الذكرياتْ
رحلتْ فباتَ القلبُ يبكيها تراتيل فيا وجع النداءْ
فتناثرتْ قصصُ الأماني والمساءْ
رحلوا بعيدًا خلّفوا تلك الديار الخاويةْ
نعشٌ وأكفانٌ وفوضى عالمٍ إنّا جهلنا في مساعيه فلا فرحٌ ولا ذكرى
ولا غيمٌ
على باب السماءْ”
أو حين تقول الشاعرة في قصيدة تخاطب فيها مدن الهوى التي تعبّر عن أئمة الهدى
وحضورهم الذي لا ينقطع:
“ولأَنَّني أُهدي قصاصاتي التي
جاءتْ على كدرِ الحياة وحيثُما
نعقَ الغرابُ بلهفةٍ وَضَّاءةٍ
فتناثرتْ كتُبُ الزمانِ وخَيَّما
ذاكَ الحنينُ وكلُّ فجرٍ تائهٍ
إنْ مَدَّ أفواهَ اللقاء وَسَلَّما
هُوَ في مدار الكونِ يجثو هائمًا
ويدور في وجع المساء مُتمتما”.
وتعبّر الموسوية عن حالات من الزهو الوطني والعنفوان الذي يجسد صدق الانتماء قائلة:
“الآن نزهو في مدارات الدُّنا
ونهيمُ في واد النعيم صحابا
الآن يدنو من مخيّلتي الهوى
فنسجتُ أحلامي بها محرابا
فكأننا في جنةٍ من فرحة
نبدو على سرُرِ التقى أترابا
ما عدتُ أبحث عن وجودي والأنا
كلّي إلى الجمع المبارك آبا
أشدو على وتر القلوب بلهفةٍ
فجمعت من سحب الأمان قبابا”.
وتقول في رثاء المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد:
“أَحقًّا قدْ رحلتَ اليومَ عنّــا
يتامى بعدكمْ والقلبُ حــنَّا
لِهاتيك الليالي المُشْرقات
على يُمناكَ يا قابوسُ عشنَا
أَحَـقًّا قـدْ أهالوا التربَ حقّا
على ذاكَ المُحَيــّا حيثُ أَفنى
أَحقًّا يا أبي لنْ تحــتوينا
ولنْ نَبـقى على الأزمانِ وزنَا
ولنْ نحظى بعطفٍ يا جُمانًا
على الأرزاء محفوفينَ صرنَا”.
وتتابع الشاعرة بقولها:
“حبيبَ الشعبِ والأحزانُ دهرٌ
على الميعادِ يا مولاي جئْنا
فقمْ واشرقْ إلينا يا حنانًا
كما عودتّنا ترنـــو إلينــا
تَمَــهّلْ لا تغادرْ يا مــلاكًا
فهذا الضلـعُ بالنيرانِ جَــنَّا
أيا قبْرًا ضَممْتَ الآنَ بوحًا
سقانا حكمةً للدهرِ أمْـــنَا
ويا لحدًا على الآهاتِ تبقى
فَدَتْكَ النفسُ والجرحُ الـمُعَنَّى
فهذا البوحُ مكلومٌ جريحٌ
على أصدائه الحيرى فطِنّا”.
وتختم الشاعرة قصيدتها قائلة:
“فيا قابوس تفديكمْ أمانٍ
على أعتابِها جئنا وسِرْنا
تجَمـّلْ سيّدي واحنُ علينا
فصوتُ النور في الآفاقِ يُجْنَى
أبي قابوس يا نـهرًا تمادى
على أنواره الأجــيال تُبنى
نعتكَ الأرضُ يا عزًّا تفانــى
فأضحى اليومُ قنديلًا وظعنا
نعاكَ الدهرُ سلطانًا مُفـدّى
علَى أقوالهِ الكبرى كَبرْنــَا
ظلامٌ بعدكَ الدنيا وفقدٌ
وأضحى الفجر أوهامًا وحُزنا”.
يُذكر أن هاشمية الموسوية باحثة تربوية في وزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان،
وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس من جامعة السلطان قابوس، وشهادة الدبلوم العالي
في الإدارة المدرسية من جامعة السلطان قابوس، وشهادة الماجستير في الإدارة التربوية
من جامعة صحار، وشهادة الدكتوراه في التربية الاجتماعية في ضوء القرآن الكريم من
الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن. ولها إصدارات أدبية عديدة، أبرزها في
الشعر: “إليك أنت” (1993)، “وللروح هوية” (2000)، “ثورة الزمرد” (2002)،
و”أوراق منهزمة” (2009).
/العمانية /174