الليل هو الخلود إلى النفس والروح والعودة إلى الراحة والاسترخاء والتقاط الأنفاس من تعب وعناء النهار وهو الملاذ المكين للعودة إلى ذاكرة المخ لإسترجاع الذكريات الحلوة والمرة واعادة صياغة المفاهيم الخاصة بها بشكل متطور محدث يلغي المفاهيم التي تسبقها بعد أن تمت صياغتها على مدار فترات من الزمن.
والليل هو الهدوء والسكينة المصحوبان بالظلام الدامس وضياء النجوم والكواكب والمجرات و أجمل مافي هذه الأوقات الليلية إنك حينما تنظر إلى أعلى وتشخص إلى السماء ببصرك وترى تلك الأنوار الإلهية تنتابك الرهبة قبل الفرحة التي تجعلك تستحضر الهيبة الربانية خصوصا إذا كان المكان الذي أنت فيه محاط الهدوء التام !.
مصحوبا بالسكينة بحيث لا ترى ولا تسمع شيئا سوى هواجسك الداخلية ممزوجة بخيالاتها التي لاتنتهي وهي توجه خطاباتها! وانت صامت بكلك عدى انك تحدق بعينيك إلى أعلى وتارة أخرى تنظر يمنة ومرة تنظر يسرة وهذه الطرق التي تستخدمها في عملية الإبصار مرفقة بأطياف الخيال الواسع المملوء بشواهد العقل الباطن الذي سيحرك أدواته التي ستجعلك وكأنك تعيش تلك الخيالات واقعا كائنا بحذافيره والحقيقة هي أن ذلك ليس إلا محض خيال أتى به ليل سرمد ليصحبك إلى جماله رغم سواده المطبق لماذا؟! والجواب هو أن ذلك السواد يكون مصحوبا بشعاعات ضياء النجوم والكواكب والمجرات النازلة من علوها إلى الأرض وبالتالي ستختلط بالظلمة وهذا الإختلاط وذلك الإندماج سيحول سواد الليل إلى اللون الرمادي وأحيانا يكون مائلا إلى الحمرة الوردية وأحيانا أخر يكون مائلا إلى البنفسج فسبحان الله على ذلك !.
وهذا الحال هو من يسبي مشاعر عشاق الليل الذين تستهويهم ظلمته وهدوئه وتحولاته الشكلية بفعل الأمور التي ذكرناها آنفا فبعضهم يطيب لهم فيه السهر والسمر والبعض الآخر يطيب لهم فيه النوم العميق ! وهناك من يطيب لهم فيه إثارة أحاسيس الشوق والغربة وبالتالي تثور ثائرتهم الشعرية في صياغة مناجاة تلك الأطياف الممتزجة مع سواد الليل واضوائه الطبيعية النازلة عليهم بأمر من الله وبتصريف منه سبحانه وتعالى.
أما في الليالي المقمرة أي تلك التي يكون فيها القمر حاضراً مستقراً في عليائه يكون الشعور بإنعكاس أنواره الفضية عليهم أكثر سروراً ؛ لأنه يولد لهم في دواخلهم الشوق الذي يأتيهم بالشعر سيما شعر الشوق والوله حيث تجوال العواطف في عمق حناياهم متحدثة عن ذلك التجوال بالشعر والنثر والقصة وأحيانا القصة تترجم إلى مسرحية يتم من خلالها توزيع نصوصها إلى مسرحيين يقومون بلعب الأدوار التي ستتحدث عن الليل أيضا رغم اختلاف مقصود المسرحية التي ستعرض أيضا على أبواب الليل هي الأخرى.
إذاً الليل هو مجمع للفكر والموهبة الحسنة كما إنه سيعمد إلى ترتيب أوراق الصمت والسكون من بعدما انفض عنه أرباب السمر وذهب عنه أعوان السهر إلى مراكب قوافل رحلات النوم العميق التي كانت تنتظرهم ليستسلموا لها بعد تعب التساهر والتسامر لتأخذ دروب الوجدان امتدادها المعقول لتحديد مسافات المسير إلى منابر حجراتها وتجديدها ليعودوا إليها في الليالي القادمة مصطحبين معهم بسط المشاعر ومطارف أسرار البابهم المنفتحة على أضواء القمر وأغصان المجرة وغياهب ممرات عشق الليل وطرائق نداءاتها واستحضارها.
الكاتب / فاضل الهدابي