من الجميل أن تبقى روح المقاومة الشعبية طاغية على تفكير الشعوب العربية، التي ترى حكوماتها ترتهن للأجنبي وتجعله يتحكم بها في حين أنها الأقوى وهي الأغنى، لكن هي عادة ملازمة لجل الانظمة العربية التي اختبرت كل أنواع الاستعمار ولكن لم يحقق ذلك لها أية عبرة، إن استهداف قاعدة عين الأسد في العراق خير مثال على روح المقاومة.
إن هذا الحدث يثلج الصدور خاصة بعد الغارة الجوية الأمريكية الأخيرة على سوريا، لاستهداف العراق فكيف تمت الهجمات في الداخل العراقي لكن الرد يحدث في دولة ثانية، ببساطة لأن واشنطن لا تملك الجرأة الآن لإشعال فتيل الحرب في الداخل العراقي، ولا تريد التصادم مع إيران أو الموالين لها، كذلك الأمر هي تعتمد على ممارسة سياسة الضغط القصوى على الشعب العراقي وتأليبه ضد حكومة بلاده التي هي بطبيعة الحال تقف عاجزة في ضوء الصراع الدولي القائم على أرضها، فهي تحاول الوقوف في المنتصف كونها حليفة كل الأطراف.
هذا الأمر يأخذنا إلى عودة سخونة المشهد العراقي مجدداً، ومن يعرف عقلية الحزب الديمقراطي الأمريكي يعلم تماماً أن التفتيت الناعم هو السياسة التي ستتم ممارستها في الفترة المقبلة، مع الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن هو صاحب مشروع فدرلة العراق في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ما يعني أن الانتقام الأمريكي سيكون مؤذياً هذه المرة، فاستهداف القاعدة أمر خطير جداً، يبين أيضاً هشاشة الجندي الأمريكي وكأنه من ورق، فهم أبطال من الجو، لكن على الأرض بالطبع المقاتلين العراقيين أقوى بأضعاف المرات.
إذاً هذا الاستهداف هو رسالة عراقية إلى الإدارة الأمريكية الجديدة بأن تلتزم بالجدول الزمني لانسحابها من الأراضي العراقية، ورسالة أخرى بأن كل هجوم يستهدف أي مكون عراقي، كل القواعد الأمريكية تحت مرمى المقاومة الشعبية العراقية، هذا البلد يكفيه منذ العام 2003 وإلى يومنا هذا ما عانى منه بسبب التدخلات الخارجية، وكل ما يتمناه العيش بسلام بعيداً عن أن يكون ساحة صراع بين أي طرف ضد آخر، ففي النهاية لا متضرر سوى الشعب العراقي الذي يعاني ديناره من هبوط حاد، وبالتالي الاقتصاد سيء، فماذا جلب التدخل الخارجي سوى العوز والفقر والتردي المعيشي في مختلف الميادين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من الجيد لأي دولة أن تبني تحالفات خارجية قوية شرط ألا تتدخل في سيادتها وفي قراراتها، وإلا فقدت مضمون الدولة ذات السيادة التي تتمتع به أية دولة كانت.
لطالما كان العراق مهد الحضارات، ففيه من العلماء والمحدثين والقامات العلمية والفكرية والفنية في كل الميادين الكثير، وفيه من الفقهاء الكثير، وفيه من الساسة المحنكين الكثير، وأوابده تشهد على عراقته، يكفي تدميراً له، وانقلوا صراعاتكم خارج حدود أرضه، فمن حق هذا الشعب أن ينعم بنعمة الأمن والأمان والرغد في بلده.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان