المغرب محطة لم أخترها
دردشة على جدار الزمن
عندما تخرجت في الثانوية العامة عام 1988، كنت أحلم أن ألتحق بجامعة السلطان قابوس؛ حيث كانت الجامعة تستقبل الصفوة من الطلاب وعددهم بسيط، وكان البقية يتوزعون للدراسة في مختلف العواصم، والجزء الأكبر في المعاهد والكليات العسكرية، وكان للعواصم العربية نصيب الأسد، كنت أنتظر أن أحصل على بعثة دراسية، وكنت أتردد في دائرة البعثات بوزارة التربية والتعليم للاستفسار، وكان الرد الذي أتلقاه أن كافة الأسماء ستُنشر في الجرائد. كُنت وقتها أعمل بجريدة “الوطن” في الفترة المسائية، وأحرِّر صفحة عنوانها “أبناء الوطن”، وكانت صفحة أسبوعية، أتولى -رغم سني المبكِّر- تحريرها، وأيضا رسمها وإخراجها.
شاءت الأقدار أن أتلقى بعثة دراسية على نفقة الجريدة لدراسة الصحافة في المغرب، وفرح والدي -رحمه الله- عندما نقلت له الخبر ورغبة الجريدة بأن تبتعثني للدراسة تخصُّص صحافة إلى المملكة المغربية. استشرتُ صديق الطفولة وابن قريتي الأخ محمد بن سيف بن عزيز الطوقي الحارثي؛ حيث كان طالبا في المغرب، ويسبقني بثلاث سنوات، شجعني وامتدح الحياة في المغرب، خاصة وأنَّ عددا كبيرا من الطلاب العمانيين يدرسون في المغرب، ووصف لي الطبيعة الخلابة والأجواء الرائعة وسهولة العيش وبساطة الحياة، وتوكلت على الله.
فقط أيام معدودات، وكنت أجهِّز حقيبتي، حيث سأرافق صديقي الأخ محمد، وسوف نسافر معا، وسوف أسكن معه في شقته حسب الاتفاق الذي تمَّ في مسقط، أذكر ناقشت معه كل التفاصيل حتى مصاريف المعيشة والإقامة يتم تقاسمها بيننا.
السفر للدراسة إلى المغرب أصبح واقعا، كان أخواي الأكبر سنًّا: سعود ومسعود يدرسان في بريطانيا، وأخي محمد كان يكمل دراساته العليا في القاهرة. فكانت الوالدة -حفظها الله- قلقة عليَّ، لكنها تشجَّعت لأن القرار أصبح واقعا، وكُنت أقنعها بالسفر من أجل التحصيل العلمي، وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “اطلبوا العلم ولو في الصين”. سافرتُ المغرب وكان سفري مُختلفا عن بقية الطلاب؛ حيث نشرت جريدة “الوطن” خبرًا في صفحتها الأخيرة ما زلتُ أذكر عنوانه جيدًا: “الزميل حمود الطوقي يطير إلى الرباط لدراسة الصحافة”.
نعم.. طِرت إلى المغرب برفقة الصديق وابن قريتي، ولم تكن الرحلة مباشرة، بل كانت بواسطة الخطوط الملكية الأردنية، وتطلب منا التوقف في الأردن لمدة عشر ساعات ترانزيت، ومن الأردن سافرنا إلى هولندا عن طريق خطوط KLM، ومكثنا ليلتيْن، وفي اليوم الثالث كان سفرنا إلى الدار البيضاء.
أذكر أننا وصلنا الدار البيضاء ظهرًا، وكنت مُنهكًا، وأذكر أنه تم تفتيش حقائبنا ولكن أخي محمد كان مُلمًّا بالتصرفات والإجراءات، وتكلم مع ضابط الأمن في مطار الدار البيضاء باللهجة المغربية، ولم أكن أفهم ما يدور من حديث، وانتهى حديثهما بالإفراج على حقائبنا.
خرجنا من مطار الدار البيضاء، واستأجرنا سيارة أجرة من نوع المرسيدس القديم، ويطلق عليها “طاكسي”؛ حيث إنَّ وجهتنا ستكون العاصمة الإدارية الرباط.
من كُثر التعب والإرهاق، استسلمتُ للنوم في الطاكسي الكبير، ولم أستفِق إلا تحت بناية شقتنا في الرباط.
الرحلة من مسقط إلى الرباط استغرقت 4 أيام، وكنت منهكا وأحتاج أربعة أيام راحة حتى أستعيد نشاطي، هكذا قُلت لأخي محمد مَازِحًا، خاصة وأنَّ الليلتين اللتين قضيناهما في أمستردام كانتا فرصة لنكتشف تلك البلاد، نتعرف على معالمها السياحية وأسواقها الكبيرة.
حمود بن علي الطوقي