تزدحم البرامج السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها بمن يتنبؤن بمستقبل ما وينشرون توقعاتهم لمستقبل الدول أو سوق العمل مثلا أو الواقع الإجتماعي أو غير ذلك من التفاعلات البشرية وفق مؤشرات براقة مطاطية يخترعونها بأنفسهم ويصدقونها وهم بلا شك كاذبون ولو صدقت أكاذبيهم.
صاحب السبق والريادة لم يصل إلى ما هو فيه لمجرد توقعات سابقة فهذا كين أولسن – عملاق شركات التقنية في القرن الماضي – كان لا يرى سببا لإمتلاك حاسوب في منزل كل شخص والطريف أن الحواسيب لم تغز كل بيت وحسب بل غزت جيوبنا وأصبحت تزاحم محفظاتنا لتقوم بدورها الآن وهناك مقارنة لطيفة تقول أن 5.1 مليار إنسان يمتلكون هاتفا خلوي بينما 4.2 مليار من البشر يمتلكون فرشاة أسنان وهنا يقفز أحدهم – من (ربعنا) المتنبؤون – بقوله : كثير من الناس يفتقدون لنظافة اسنانهم ويبني على ذلك خططه (بو لمعه) بينما البعد الآخر يقول : بل هناك سوق هائلة واعدة لبيع فرشاة الأسنان.
ما أريد الوصول إليه ليس مرهونا فقط بمجال محدد بل هو مرتبط بالأداء الحكومي المؤسسي والإنتاجية الإقتصادية والتفاعلات الإجتماعية وكل أمر تكون فيه عمارة وعمل في كوكبنا الجميل والنقطة الفاصلة بين الناجحين والفاشلين تكمن في كيفية تشكيل المستقبل وصناعته دون إنتظار مفاجآته التي تحرمنا من صنع الغد الذي نريد وتجبرنا للتعامل معه بسياسة إطفاء الحرائق!
شركات جوجل وفيسبوك وتويتر لم تكن حاضرة في مشهد حياتنا قبل عام ١٩٩٥ م وهي مثال واضح لمن يريد خلق مستقبله بنفسه دون إنتظار غموض الغد وعلى مستوى الأفراد هناك من هو هش للغاية تجاه من يواجهه من تحديات غير متوقعة وحتى حينما يتعود عليها تدريجيا يكون الوقت قد فات لأن هناك أحد آخر نظر لتلك التحديات بطريقة مختلفة وهنا أطرح مثلا في شخصية ستيف جوبز – عراب ثلاثي الآيبود والآيباد والآيفون – الذي فكر في إبتكار حاجات غير معروفة للمستهلكين ولا تتشابه مع منتجات المنافسين في ذات القطاع وفق الفكرة التي تقول أن التحديات تحتاج الى صنع شئ يتعدى أن يكون مجرد منتج بسيط ليكون منتجا يقدم حلولا للبشر وهذا ما مضى فيه ليصحى منافسوه على نهار (مش فايت ومنيل بنيله) رغم دراساتهم وتنبؤاتهم المستقبلية التي كلفتهم الملايين ليجدو أن الوقت فات لمنافسته وليس هناك من حل إلا إقتفاء أثره وتقليد منتجاته التي أصبحت مقياس السوق.
خلق المستقبل لا يعني مناقضة المسلمات ولكن يجب أن نعي الفارق بين ما نتحكم به وما لا نقدر التحكم به والحكمة ضالة المؤمن والحكيم من يتخذ القرار الصحيح بإصلاح السفينة وترقيعها أو بناء سفينة جديدة أو حتى النزول إلى اليابسة لتكون مسارا لتنقله وتذكر أنك لا تستطيع التوقف في منتصف الطريق إذا قفزت من بناية عالية إن لم تمتلك قدرة تغيير المسار والتحكم به وليكن شعارك دائما : وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
محمد سيفان الشحي
٢٠ مارس ٢٠٢١ م