عرفنا السرقة فيما سبق بأنها أخذ مال الغير خفية، وتحدثنا في المقال السابق عن السرقة الصغرى، والسرقة الكبرى، وعن الحرابة وفقاً للشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، لنصل إلى أن السرقة تتطلب توافر أركان أربعة فما هي؟
أولاً، الأخذ خفية فلا يعقل أن يقوم سارق بالسارقة علانية وعلى مرأى من الجميع، فهذا الركن يتطلب أن يتم خفية وألا يترك خلفه شهود، أما الركن الثاني، فهو أن يكون المأخوذ مالاً، فهذا أخف ما يمكن سرقته مقارنةً بالأغراض الأخرى، والركن الثالث، أن يكون المال مملكوكاً للغير، أي السارق لا يسرق نفسه بل ما هو لغيره، والركن الرابع والأخير، هو القصد الجنائي، وسنقوم بتفصيل الأركان الأربعة.
الركن الأول، الأخذ خفية: ويعني ذلك أن يأخذ الشيء دون علم المجني عليه ودون رضاه، كمن يسرق أمتعة شخص من داره فى غيبته أو أثناء نومه، فإن كان الأخذ في حضور المجني عليه ودون مغالبة فالفعل اختلاس لا سرقة، كما وضحنا في المقال السابق، وإن كان الأخذ دون علم المجني عليه ولكن برضاه فالفعل لا يعتبر جريمة، ويجب في الأخذ أن يكون تاماً، فلا يكفي لتكون الجريمة أن تصل يد الجاني للشيء المسروق بل لابد أن يكون الأخذ بحيث تتوفر فيه ثلاثة شروط:
أولاً، أن يخرج السارق الشيء المسروق من حرزه المعد لحفظه.
ثانياً، أن يخرج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه.
ثالثاً، أن يدخل الشيء المسروق في حيازة السارق.
فإذا لم يتوفر أحد هذه الشروط اعتبر الأخذ غير تام، وكانت عقوبته التعزير لا القطع، فمن تسور داراً ليسرق منها فضبط قبل أن يصل إلى شيء مما في الدار أو ضبط وهو يجمع المتاع، لا يعتبر آخذاً خفية لأن ما أتاه من الأفعال لم يخرج الشيء المراد سرقته من حرزه أي المحل المعد لحفظه، ومادام المال لم يخرج من حزره فهو لم يخرج من حيازة المجني عليه ولم يدخل في حيازة الجاني، حيث يترتب على اشتراط الأخذ التام أن لا يقطع فى سرقة لم تتم، فكل ما نعتبره اليوم شروعاً في سرقة يعاقب عليه بالتعزير ولا يعاقب عليه بالقطع.
وعبارة الأخذ خفية في الشريعة يقابلها الاختلاس في القوانين الوضعية، ويشترط ليكون الاختلاس تاماً في القانونين المصري والفرنسي أن يخرج الشيء من حيازة المجني عليه وأن يدخل فى حيازة الجاني، ومعنى هذا أن الشريعة تشترط زيادة على ما تشترطه القوانين الوضعية أن يخرج السارق الشيء المسروق من حرزه، وهذه الزيادة شرط لابد من توفره في كل سرقة معاقب عليها بالقطع عند أصحاب المذاهب الأربعة والشيعة الزيدية، أما الظاهريون فلا يشترطون الإخراج من الحرز بل أنهم لا يشترطون للقطع إخراج الشيء من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الجاني، ويكتفون بأن يتناول الجاني الشىء بقصد سرقته لاعتباره آخذاً له خفية ومستحقاً لعقوبة القطع.
وتتفق المذاهب الأربعة والشيعة عدا مذهب الظاهريين، وتتفق الشريعة مع القانون المصري والفرنسي إذا كانت السرقة واقعة على مال غير محرز، فهذه السرقة لا قطع فيها وعقوبتها التعزير، ويكفي فيها لاعتبار الأخذ تاماً أن يخرج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه ويدخل في حيازة السارق، كذلك، وتتفق الشريعة أيضاً مع القانون المصري والفرنسي إذا كان الفعل الحاصل من الجاني مما يعتبر في الشريعة اختلاساً فإن الاختلاس عقوبته التعزير لا القطع، ويكفي في حالة الاختلاس لاعتبار الفعل تاماً أن يخرج الشيء المختلس من حيازة المجني عليه ويدخل في حيازة المختلس، فمن خالس المجني عليه وخطف من يده ورقة مالية أو أخذ ثوبه من جواره فإن الاختلاس يعتبر تاماً بمجرد دخول الورقة المالية أو الثوب في حيازة المختلس ولو لم يبرح محل الاختلاس.
وإخراج الشيء المسروق من حرزه يتبعه دائماً إخراج هذا الشيء من حيازة المجني عليه، فمن سرق من منزل أو دكان يعتبر أنه أخرج المسروق من حيازة المجني عليه بمجرد إخراج المسروقات من المنزل أو الدكان، وكذلك من يسرق من جيب إنسان يعتبر أنه أخرج المسروقات من حيازة المجني عليه بمجرد إخراج المسروقات من الجيب؛ لأن الجاني فى هذه الأحوال جميعاً يزيل عن المسروقات يد المجني عليه.
وإخراج الشيء المسروق من حيازة المجني عليه لا يتوقف دائماً على خروج السارق به من الحرز، فقد يخرج المسروق من حيازة المجني عليه مع بقاء الجاني في الحرز ومع عدم خروج المسروق من الحرز، ومثال ذلك أن يبتلع السارق المسروقات فى الحرز إذا كانت مما لا يفسد بالابتلاع كجواهر أو نقود ابتلعها السارق داخل الحرز، ففي هذه الحالات وأشباهها تدخل المسروقات في حيازة السارق وتخرج من حيازة المجني عليه قبل أن يخرج السارق من الحرز وقبل أن يعتبر الأخذ تاماً لأنه لا يتم إلا بالخروج من الحرز، أما إذا كان الشيء الذى ابتلع في الحرز مما يفسد بالابتلاع كاللبن أو الحلوى وما أشبهه فالفعل لا يعتبر سرقة في الشريعة وإنما هو إتلاف، والقاعدة في الشريعة أن كل ما استهلك في محل الحادث فهو متلف أو مسروق، سواء استهلك بواسطة أكله أو شربه أو تمزيقه أو تحريفه إلى غير ذلك.
ويرى أبو حنيفة أن إخراج الشيء المسروق من حرزه ومن حيازة المجني عليه لا يستتبعه حتماً دخوله في حيازة الجاني، ومثل ذلك أن يأخذ السارق متاعاً ويلقى به إلى خارج المنزل ثم يخرج ليأخذه فيجد أن غيره عثر عليه وأخذه، أو أن يسرق اللص دابة حتى يخرجها من الزريبة فإذا خرجت تلقاها لص آخر فأخذها، ففي هاتين الحالتين وأمثالهما يرى أبو حنيفة أن المسروق لم يدخل في حيازة السارق لأنه لا يدخل في حيازة السارق إلا إذا خرج من حيازة المجني عليه ويد الآخر تظل قائمة على الشيء حتى يخرج من حرزه، فبالإخراج تزول يد المالك، فإذا أخرج اللص الشيء من الحرز زالت عنه يد المالك فإذا عثر عليه لص آخر فأخذه فقد اعترضت يد اللص الأخير يد اللص الأول الذي أخرج المسروق، ولم يدخل المسروق في حيازة السارق وإنما دخل في حيازة اللص الثاني، ويسمى أبو حنيفة هذه النظرية بنظرية اليد المعترضة، ويترتب عليها عدم قطع يد السارق ولو أنه أخرج المسروق من الحرز، ويرى أن العقوبة هي التعزير.
والأخذ خفية على نوعين: فهو إما أن يكون أخذاً مباشراً، وإما أن يكون أخذاً بالتسبب. فأما الأخذ المباشر فهو أن يتولى السارق أخذ المتاع وإخراجه من الحرز بنفسه، أو أن يؤدي فعله مباشرة إلى إخراجه كأن يدخل الحرز فيحمل المسروق أو يلقي به إلى خارج الحرز، أو أن يدخل يده فى الحرز فيأخذ المسروق أو يلتقطه بِمحْجَن، أو أن يبطر جيباً فيسقط منه المال، أو ينقب حرزاً فيه طعام أو حب فينثال منه إلى الخارج، إلا أن بعض الفقهاء يجعل لهذه القاعدة استثناءات سنتحدث عنها فيما بعد، وإذا حمل السارق المسروق إلى خارج الحرز، أو ألقى بالمسروق إلى خارج الحرز، أو أدى فعله المباشر إلى إخراج المسروق من الحرز، فإن شروط الأخذ خفية تكون تامة ويقطع السارق بسرقته.
أما القوانين الوضعية، تجعل القوانين الحبس عقوبة للسرقة، وهي عقوبة أخفقت في محاربة الجريمة على العموم والسرقة على الخصوص، والعلة في هذا الإخفاق أن عقوبة الحبس لا تخلق في نفس السارق العوامل النفسية التي تصرفه عن جريمة السرقة؛ لأن عقوبة الحبس لا تحول بين السارق وبين العمل والكسب إلا مدة الحبس، فضرورات الحياة الحديثة فرضت عقوبات تتلائم وواقع المجتمعات اليوم، لكن قلة من هم يتعظون بعد انقضاء مدة حبسهم.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.