يحلّ على الأمة الإسلامية بعد أيام قلائل عيد الفطر السعيد بعد أن منّ الله سبحانه وتعالى على المسلمين بصوم شهر رمضان المبارك. ويأتي عيد الفطر هذا العام مختلفا عن العامين الماضيين من جانبين يستحقان وقوفًا متأنيًا، وطرح بعض الأسئلة في سبيل بناء تصورنا للعيد بعد كل التجارب التي مرت علينا خلال العامين الماضيين وخلال ما يمكن أن يتشكل في هذه المرحلة الملتبسة من مسيرة العالم وفي شقه الاقتصادي خصوصًا.
أما الجانب الأول فهو أن العيد هذا العام سيكون مختلفًا من حيث حجم الإجراءات الاحترازية المفروضة جراء انتشار وباء فيروس كورونا «كوفيد19». ففي العامين الماضيين شهدت أيام العيد إغلاقات واسعة ومنعًا للحركة وتعليقًا لصلاة العيد ولجميع الفعاليات الاجتماعية، وقضت الأسر العيد داخل بيوتها مبتعدة عن جميع الطقوس الجماعية التي كانت تمارس خلال أيام العيد. ويبدو العيد هذا العام مختلفًا، والجميع فيه أكثر تفاؤلا بعد أن تحسنت المؤشرات الوبائية تحسنًا كبيرًا، وبعد أن نجحت الدولة في تطعيم أكثر من 90% من الفئات المستهدفة بجرعتين على الأقل من الجرعات المضادة للوباء، ونتيجة لذلك تراجعت الأعداد المنومة في المؤسسات الصحية وعدد الإصابات اليومية إلى الحدود الدنيا. وهذا المشهد يمكن أن نصفه، مبدئيا على الأقل، بالمشهد الإيجابي.
أما الجانب الثاني الذي يحتاج أن نقف أمامه وقفة دقيقة فيتمثل في صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها العالم أجمع، حيث قادت تأثيرات الجائحة وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية إلى تضخم كبير في الأسعار، فارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية وأسعار الكثير من المواد الغذائية ارتفاعًا كبيرًا، بدا تأثيرها واضحا الآن في جميع الدول الأوروبية وهي في الطريق إلى بقية دول العالم مع الأسف الشديد.
وهناك ترابط كبير بين الجانبين أعلاه، فبعد عامين من فقدان العيد للكثير من طقوسه قد يندفع بعضهم إلى المبالغة في الاحتفاء بالعيد سواء من حيث التقارب الاجتماعي وتجاوز الإجراءات الاحترازية التي ما زالت قائمة ويشدد عليها الأطباء وتشدد عليها اللجنة العليا لتعويض ما سقط منها في العامين الماضيين، أو من حيث المبالغة والإسراف في التسوق واقتناء المواد غير الأساسية التي يمكن تجاوزها. والجانب الأول قد يقود إلى ظهور بؤر تفش جديدة وارتفاع عدد الإصابات، فيما قد يوقع الجانب الآخر الكثير من الأسر في مشكلات مالية هي في غنى عنها في هذا الوقت بالذات.
والحل الذي يعلمنا به الإسلام في مثل هذه الحالات هو الاعتدال في كل شيء، الاعتدال في العادات الاجتماعية بحيث تكون في حدود آمنة وبإجراءات وقائية، وكذلك الاعتداد في التسوق والتجهز للعيد بعيدا عن الإسراف المنهي عنه. وهذا الاعتدال يحتاج أن يكون ظاهرة اجتماعية تعمل به جميع فئات المجتمع ليكون هو السمة الأساسية. ولنذهب جميعا إلى المعنى الحقيقي للعيد وليس معنى الإسراف والتبذير. حفظه الله الجميع وجعل العيد مناسبة فرح لا مناسبة خوف وتبذير.

